[ ص: 177 ] ذكر
أمر قارون
وكان
قارون بن يصهر بن قاهث ، وهو ابن عم موسى بن عمران بن قاهث ، وقيل : كان عم
موسى ، والأول أصح . وكان عظيم المال كثير الكنوز .
قيل إن مفاتيح خزائنه كانت تحمل على أربعين بغلا ، فبغى على قومه بكثرة ماله ، فوعظوه ، ونهوه ، وقالوا له ما قص الله تعالى في كتابه :
لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ، فأجابهم جواب مغتر لحلم الله عنه فقال : إنما أوتيته - يعني المال والخزائن - على علم عندي ، قيل على خبر ومعرفة مني ، وقيل : لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا .
فلم يرجع عن غيه ولكنه تمادى في طغيانه حتى خرج على قومه في زينته ، وهي أنه ركب برذونا أبيض بمراكب الأرجوان المذهبة ، وعليه الثياب المعصفرة ، وقد حمل معه ثلاثمائة جارية على مثل برذونه وأربعة آلاف من أصحابه ، وبنى داره ، وضرب عليها صفائح الذهب ، وعمل لها بابا من ذهب ، فتمنى أهل الغفلة والجهل مثل ما له ، فنهاهم أهل العلم بالله .
[ ص: 178 ] وأمره الله تعالى بالزكاة ، فجاء إلى
موسى من كل ألف دينار دينار ، وعلى هذا من كل ألف شيء شيء ، فلما عاد إلى بيته وجده كثيرا ، فجمع نفرا يثق بهم من
بني إسرائيل فقال : إن
موسى أمركم بكل شيء فأطعتموه ، وهو الآن يريد أخذ أموالكم . فقالوا : أنت كبيرنا وسيدنا ، فمرنا بما شئت . فقال : آمركم أن تحضروا فلانة البغي فتجعلوا لها جعلا فتقذفه بنفسها ، ففعلوا ذلك ، فأجابتهم إليه .
ثم أتى
موسى ، فقال : إن قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتنهاهم . فخرج إليهم ، فقال : من سرق قطعناه ، ومن افترى جلدناه ، ومن زنى وليس له امرأة جلدناه مائة جلدة ، وإن كانت له امرأة رجمناه حتى يموت . فقال له
قارون : وإن كنت أنت ؟ فقال : نعم . قال : فإن
بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة . فقال ادعوها فإن قالت فهو كما قالت .
فلما جاءت قال لها
موسى : أقسمت عليك بالذي أنزل التوراة إلا صدقت : أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ قالت : لا ، كذبوا ، ولكن جعلوا لي جعلا على أن أقذفك . فسجد ودعا عليهم ، فأوحى الله إليه : مر الأرض بما شئت تطعك . فقال : يا أرض خذيهم .
وقيل : إن هذا الأمر بلغ
موسى ، فدعا الله تعالى عليه ، فأوحى الله إليه : مر الأرض بما شئت تطعك . فجاء
موسى إلى
قارون ، فلما دخل عليه عرف الشر في وجهه ، فقال له : يا
موسى ارحمني . فقال
موسى : يا أرض خذيهم . فاضطربت داره وساخت
بقارون ، وأصحابه إلى الكعبين ، وجعل يقول : يا
موسى ارحمني . قال يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى ركبهم . فلم يزل يستعطفه وهو يقول : يا أرض خذيهم ، حتى خسف بهم ، فأوحى الله إلى
موسى : ما أفظك ! أما وعزتي لو إياي نادى لأجبته ، ولا أعيد الأرض تطيع أحدا أبدا بعدك ، فهو يخسف به كل يوم ، فلما أنزل الله نقمته حمد المؤمنون الله ، وعرف الذين تمنوا مكانه بالأمس خطأ أنفسهم واستغفروا ، وتابوا .