[ ص: 184 ] ذكر
إلياس ، عليه السلام لما توفي
حزقيل كثرت الأحداث في
بني إسرائيل ، وتركوا عهد الله وعبدوا الأوثان ، فبعث الله إليهم
إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العزاز بن هارون بن عمران نبيا ، وكان الأنبياء في
بني إسرائيل بعد
موسى بن عمران يبعثون بتجديد ما نسوا من التوراة .
وكان
إلياس مع ملك من ملوكهم يقال له
أخاب ، وكان يسمع منه ويصدقه ، وكان
إلياس يقيم له أمره وكان
بنو إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه يقال له بعل ، فجعل
إلياس يدعوهم إلى الله وهم لا يسمعون إلا من ذلك الملك ، وكان ملوك
بني إسرائيل متفرقة كل ملك قد تغلب على ناحية يأكلها ، فقال ذلك الملك الذي كان
إلياس معه : والله ما أرى الذي تدعو إليه باطلا لأني أرى فلانا وفلانا - يعد ملوك
بني إسرائيل - قد عبدوا الأوثان فلم يضرهم ذلك شيئا ، يأكلون ، ويشربون ، ويتمتعون ما ينقص ذلك من دنياهم وما نرى لنا عليهم من فضل .
ففارقه
إلياس وهو يسترجع ، فعبد ذلك الملك الأوثان أيضا ، وكان للملك جار صالح مؤمن يكتم إيمانه ، وله بستان إلى جانب دار الملك والملك يحسن جواره ، وللملك زوجة عظيمة الشر والكفر ، فقالت له ليأخذ بستان الرجل ، فلم يفعل ، فكانت تخلف زوجها إذا سار عن بلده وتظهر للناس ، فغاب مرة فوضعت امرأته على صاحب البستان من شهد عليه أنه سب الملك ، فقتلته وأخذت بستانه ، فلما عاد الملك غضب من ذلك واستعظمه وأنكره فقالت : فات أمره . فأوحى الله إلى
إلياس يأمره أن يقول للملك وامرأته أن يردا البستان على ورثة صاحبه ، فإن لم يفعلا غضب عليهما ، وأهلكهما في
[ ص: 185 ] البستان ولم يتمتعا به إلا قليلا .
فأخبرهما
إلياس بذلك فلم يراجعا الحق . فلما رأى
إلياس أن
بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر والظلم دعا عليهم ، فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين ، فهلكت الماشية ، والطيور ، والهوام ، والشجر ، وجهد الناس جهدا شديدا ، واستخفى
إلياس خوفا من
بني إسرائيل ، فكان يأتيه رزقه ، ثم إنه أوى ليلة إلى امرأة من
بني إسرائيل لها ابن يقال له
اليسع بن أخطوب به ضر شديد ، فدعا له فعوفي من الضر الذي كان به واتبع
إلياس ، وكان معه وصحبه وصدقه ، وكان
إلياس قد كبر ، فأوحى الله إليه : إنك قد أهلكت كثيرا من الخلق من البهائم ، والدواب ، والطير وغيرها ، ولم يعص سوى
بني إسرائيل . فقال
إلياس : أي ربي ، دعني أكن أنا الذي أدعو لهم وأبتهج بالفرج لعلهم يرجعون . فجاء
إلياس إليهم ، وقال لهم : إنكم قد هلكتم وهلكت الدواب بخطاياكم ، فإن أحببتم أن تعلموا أن الله ساخط عليكم بفعلكم ، وأن الذي أدعوكم إليه هو الحق فاخرجوا بأصنامكم وادعوها ; فإن استجابت لكم فذلك الحق كما تقولون ، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله ففرج عنكم .
قالوا : أنصفت . فخرجوا بأصنامهم فدعوها فلم تستجب لهم ، ولم يفرج عنهم . فقالوا
لإلياس : إنا قد هلكنا فادع الله لنا . فدعا لهم بالفرج وأن يسقوا ، فخرجت سحابة مثل الترس ، وعظمت وهم ينظرون ، ثم أرسل الله منها المطر ، فحييت بلادهم ، وفرج الله عنهم ما كانوا فيه من البلاء ، فلم ينزعوا ولم يراجعوا الحق ، فلما رأى ذلك
إلياس سأل الله أن يقبضه فيريحه منهم ، فكساه الله الريش وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب ، فصار ملكيا إنسيا سماويا أرضيا ، وسلط الله على الملك وقومه عدوا فظفر بهم ، وقتل الملك وزوجته بذلك البستان وألقاهما فيه حتى بليت لحومهما .