ذكر
أم التوابين
قيل : لما قتل
الحسين ورجع
ابن زياد من معسكره بالنخيلة ودخل
الكوفة تلاقت
الشيعة بالتلاوم والتندم ، ورأت أن قد أخطأت خطأ كبيرا بدعائهم
الحسين وتركهم نصرته وإجابته حتى قتل إلى جانبهم ، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلا قتل من قتله أو القتل فيهم ، فاجتمعوا
بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة : إلى
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت له صحبة وإلى
المسيب بن نجبة الفزاري ، وكان من أصحاب علي ، وإلى
عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وإلى
عبد الله بن وال التيمي ،
تيم بكر بن وائل ، وإلى
رفاعة بن شداد البجلي ، وكانوا من خيار أصحاب علي ، فاجتمعوا في منزل
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد الخزاعي ، فبدأهم
المسيب بن نجبة فقال بعد حمد الله :
أما بعد فإنا ابتلينا بطول العمر والتعرض لأنواع الفتن ، فنرغب إلى ربنا أن لا يجعلنا ممن يقول له غدا :
أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ، فإن أمير المؤمنين
[ ص: 249 ] عليا قال : العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة ، وليس فينا رجل إلا وقد بلغه ، وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا فوجدنا الله كاذبين في كل وطن من مواطن ابن بنت نبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله وأعذر إلينا فسألنا نصره عودا وبدءا وعلانية فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا نحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا ، فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريته ونسله ؟ لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه ، أو تقتلوا في طلب ذلك ، فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك ، ( ولا أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن ) .
أيها القوم ولوا عليكم رجلا منكم فإنه لا بد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها .
وقام
رفاعة بن شداد وقال : أما بعد فإن الله قد هداك لأصوب القول وبدأت بأرشد الأمور بدعائك إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم ، فمسموع منك مستجاب إلى قولك ، وقلت : ولوا أمركم رجلا تفزعون إليه وتحفون برايته وقد رأينا مثل الذي رأيت ، فإن تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا ، وفينا منتصحا ، وفي جماعتنا محبوبا ، وإن رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة وصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذا السابقة والقدم
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد الخزاعي ، المحمود في بأسه ودينه ، الموثوق بحزمه .
[ ص: 250 ] وتكلم
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد بنحو ذلك وأثنيا على
المسيب وسليمان .
فقال
المسيب : قد أصبتم فولوا أمركم
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد .
فتكلم
سليمان فقال بعد حمد الله : أما بعد فإني لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت فيه الرزية وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير ، إنا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل بيت نبينا - صلى الله عليه وسلم - نمنيهم النصر ونحثهم على القدوم ، فلما قدموا ونينا وعجزنا وأدهنا وتربصنا حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطى ، اتخذه الفاسقون غرضا للنبل ودريئة للرماح حتى أقصدوه ، وعدوا عليه ، ( فسلبوه ألا ) انهضوا ، فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله ، والله ما أظنه راضيا دون أن تناجزوا من قتله ، ألا لا تهابوا الموت فما هابه أحد قط إلا ذل ، وكونوا
كبني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم :
إنكم ظلمتم أنفسكم فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ففعلوا وجثوا على الركب ومدوا الأعناق حين علموا أنهم لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا القتل ، فكيف بكم لو دعيتم إلى ما دعوا ! أحدوا السيوف وركبوا الأسنة
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل [ ص: 251 ] حتى تدعوا وتستنفروا .
فقال
خالد بن سعد بن نفيل : أما أنا فوالله لو أعلم أنه ينجيني من ذنبي ويرضي ربي عني قتلي نفسي لقتلتها ، وأنا أشهد كل من حضر أن كل ما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوي صدقة على المسلمين أقويهم به على قتال الفاسقين .
قال
أبو المعتمر بن حنش بن ربيعة الكناني مثل ذلك .
فقال
سليمان : حسبكم ، من أراد من هذا شيئا فليأت به
عبد الله بن وال التيمي ، فإذا اجتمع عنده كل ما تريدون إخراجه جهزنا به ذوي الخلة والمسكنة من أشياعكم .
وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد إلى
سعد بن حذيفة بن اليمان يعلمه بما عزموا عليه ويدعوه إلى مساعدتهم ومن معه من الشيعة بالمدائن ، فقرأ
سعد بن حذيفة الكتاب على من بالمدائن من الشيعة ، فأجابوا إلى ذلك ، فكتبوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد يعلمونه أنهم على الحركة إليه والمساعدة له .
وكتب
سليمان أيضا كتابا إلى
المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة مثل ما كتب إلى
سعد بن حذيفة ، فأجابه
المثنى : إننا معشر الشيعة حمدنا الله على ما عزمتم عليه ونحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت . وكتب في أسفل الكتاب :
تبصر كأني قد أتيتك معلما على أتلع الهادي أجش هزيم طويل القرا نهد الشواة مقلص
ملح على فأس اللجام أزوم بكل فتى لا يملأ الروع قلبه
محش لنار الحرب غير سئوم أخي ثقة ، ينوي الإله بسعيه
ضروب بنصل السيف غير أثيم
)
فكان أول ما ابتدءوا به أمرهم بعد قتل
الحسين سنة إحدى وستين ، فما زالوا بجمع
[ ص: 252 ] آلة الحرب ودعاء الناس في السر إلى الطلب بدم
الحسين ، فكان يجيبهم النفر ، ولم يزالوا على ذلك إلى أن هلك
nindex.php?page=showalam&ids=17374يزيد بن معاوية سنة أربع وستين ، فلما مات يزيد جاء إلى
سليمان أصحابه فقالوا : قد هلك هذا الطاغية والأمر ضعيف ، فإن شئت وثبنا على
nindex.php?page=showalam&ids=146عمرو بن حريث ، وكان خليفة
ابن زياد على
الكوفة ، ثم أظهرنا الطلب بدم
الحسين وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد : لا تعجلوا ، إني قد نظرت فيما ذكرتم فرأيت أن قتلة
الحسين هم أشراف
الكوفة وفرسان
العرب وهم المطالبون بدمه ، ومتى علموا ما تريدون كانوا أشد الناس عليكم ، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا نفوسهم وكانوا جزرا لعدوهم ، ولكن بثوا دعاتكم وادعوا إلى أمركم .
ففعلوا واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك
يزيد .
ثم إن أهل
الكوفة أخرجوا
nindex.php?page=showalam&ids=146عمرو بن حريث وبايعوا
لابن الزبير ،
وسليمان وأصحابه يدعون الناس .
فلما مضت ستة أشهر بعد هلاك
يزيد قدم
nindex.php?page=showalam&ids=8494المختار بن أبي عبيد الكوفة في النصف من رمضان وقدم (
nindex.php?page=showalam&ids=16474عبد الله بن يزيد الأنصاري أميرا على الكوفة من قبل
ابن الزبير لثمان بقين من رمضان ) ، وقدم
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة معه على خراج الكوفة .
فأخذ
المختار يدعو الناس إلى قتال قتلة
الحسين ويقول : جئتكم من عند
nindex.php?page=showalam&ids=12691المهدي محمد ابن الحنفية وزيرا أمينا .
فرجع إليه طائفة من الشيعة ، وكان يقول : إنما يريد
سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ومن معه وليس له بصر بالحرب .
وبلغ الخبر
عبد الله بن يزيد بالخروج عليه
بالكوفة في هذه الأيام ، وقيل له ليحبسه ، وخوف عاقبة أمره إن تركه .
فقال
عبد الله : إن هم قاتلونا قاتلناهم ، وإن تركونا لم نطلبهم .
إن هؤلاء القوم يطلبون بدم
الحسين بن علي ، فرحم الله هؤلاء القوم ، إنهم آمنون ، فليخرجوا ظاهرين وليسيروا إلى من قاتل
الحسين ، فقد أقبل إليهم ، يعني
ابن زياد ، وأنا لهم ظهير ، هذا
ابن زياد قاتل
الحسين وقاتل أخياركم وأماثلكم قد توجه إليكم ، وقد فارقوه
[ ص: 253 ] على ليلة من جسر منبج ، فقتاله والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضا ، فيلقاكم عدوكم وقد ضعفتم ، وتلك أمنيته ، وقد قدم عليكم أعدى خلق الله لكم ، من ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين ، ( هو الذي قتلكم ) ، ومن قبله أتيتم ، والذي قتل من تنادون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم ، إني لكم ناصح .
وكان
مروان قد سير
ابن زياد إلى الجزيرة ، ثم إذا فرغ منها سار إلى
العراق .
فلما فرغ
عبد الله بن يزيد من قوله قال
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة : أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا المداهن ، والله لئن خرج علينا خارج لنقتلنه ، ولئن استيقنا أن قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده والحميم بالحميم والعريف بما في عرافته حتى يدينوا للحق ويذلوا للطاعة .
فوثب إليه
المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقه ثم قال : يا ابن الناكثين ! أنت تهددنا بسيفك وغشمك ! أنت والله أذل من ذلك ! إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك ، وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولا سديدا .
فقال
إبراهيم : والله لتقتلن وقد أدهن هذا ، يعني
عبد الله بن يزيد .
فقال له
عبد الله بن وال : ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا ؟ ما أنت علينا بأمير إنما أنت أمير هذه الجزية ، فأقبل على خراجك ، ولئن أفسدت أمر هذه الأمة فقد أفسده والداك وكانت عليهما دائرة السوء ! فشتمهم جماعة ممن مع
إبراهيم فشاتموه ، فنزل الأمير من على المنبر ، وتهدده
إبراهيم بأنه يكتب إلى
ابن الزبير يشكوه ، فجاءه
عبد الله في منزله واعتذر إليه فقبل عذره .
ثم إن أصحاب
سليمان خرجوا ينشرون السلاح ظاهرين ويتجهزون .