ذكر
الاختلاف على نجدة وقتله وولاية أبي فديك
ثم إن أصحاب
نجدة اختلفوا عليه لأسباب نقموها منه ، فمنها : أن
أبا سنان حي بن وائل أشار على
نجدة بقتل من أجابه تقية ، فشتمه
نجدة ، فهم بالفتك به فقال له
نجدة : كلف الله أحدا علم الغيب ؟ قال : لا . قال : فإنما علينا أن نحكم بالظاهر . فرجع
أبو سنان إلى
نجدة .
ومنها : أن
عطية بن الأسود خالف على
نجدة ، وسببه أن
نجدة سير سرية بحرا
[ ص: 285 ] وسرية برا ، فأعطى سرية البحر أكثر من سرية البر ، فنازعه
عطية حتى أغضبه ، فشتمه
نجدة ، فغضب عليه وألب الناس عليه . وكلم
نجدة في رجل شرب الخمر في عسكره فقال : هو رجل شديد النكاية على العدو وقد استنصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بالمشركين . وكتب
عبد الملك إلى
نجدة يدعوه إلى طاعته ويوليه
اليمامة ويهدر له ما أصاب من الأموال والدماء ، فطعن عليه
عطية وقال : ما كاتبه
عبد الملك حتى علم منه دهانا في الدين ، وفارقه إلى
عمان .
ومنها أن قوما فارقوا
نجدة واستنابوه فحلف أن لا يعود ، ثم ندموا على استنابته وتفرقوا ونقموا عليه أشياء أخر ، فخالف عليه عامة من معه فانحازوا عنه وولوا أمرهم
أبا فديك عبد الله بن ثور ، أحد
بني قيس بن ثعلبة ، واستخفى
نجدة ، فأرسل
أبو فديك في طلبه جماعة من أصحابه وقال : إن ظفرتم به فجيئوني به . وقيل
لأبي فديك : إن لم تقتل
نجدة تفرق الناس عنك ، فألح في طلبه . وكان
نجدة مستخفيا في قرية من قرى حجر ، وكان للقوم الذين اختفى عندهم جارية يخالف إليها راع لهم ، فأخذت الجارية من طيب كان مع
نجدة ، فسألها الراعي عن أمر الطيب ، فأخبرته ، فأخبر الراعي أصحاب
أبي فديك بنجدة ، فطلبوه ، فنذر بهم ، فأتى أخواله من بني
تميم فاستخفى عندهم . ثم أراد المسير إلى
عبد الملك فأتى بيته ليعهد إلى زوجته ، فعلم به
الفديكية وقصدوه ، فسبق إليه رجل منهم فأعلمه ، فخرج وبيده السيف ، فنزل
الفديكي عن فرسه وقال : إن فرسي هذا لا يدرك فاركبه فلعلك تنجو عليه . فقال : ما أحب البقاء ولقد تعرضت للشهادة في مواطن ما هذا بأحسنها ، وغشيه أصحاب
أبي فديك فقتلوه ، وكان شجاعا كريما ( وهو يقول :
وإن جر مولانا علينا جريرة صبرنا لها ، إن الكرام الدعائم
)
ولما قتل
نجدة سخط قتله قوما من أصحاب
أبي فديك ففارقوه ، وثار به
مسلم بن جبير فضربه اثنتي عشرة ضربة بسكين فقتل
مسلم وحمل
أبو فديك إلى منزله فبرأ .