ذكر
حروب الخوارج بفارس والعراق
في هذه السنة استعمل
مصعب nindex.php?page=showalam&ids=16679عمر بن عبيد الله بن معمر على
فارس ، وولاه حرب
الأزارقة ، وكان
المهلب على حربهم أيام
مصعب الأولى ، وأيام
حمزة بن عبد الله بن الزبير . فلما عاد
مصعب أراد أن يولي
المهلب بلاد
الموصل والجزيرة وأرمينية ; ليكون بينه وبين
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، فكتب إليه وهو
بفارس في القدوم عليه ، فقدم واستخلف على عمله ابنه
المغيرة ، ووصاه بالاحتياط ، وقدم
البصرة ، فعزله
مصعب عن حرب
الخوارج وبلاد
فارس ، واستعمل عليهما
nindex.php?page=showalam&ids=16679عمر بن عبيد الله بن معمر . فلما سمع
الخوارج به قال
nindex.php?page=showalam&ids=16831قطري بن الفجاءة : قد جاءكم شجاع ، وهو شجاع وبطل ، جاء يقاتل لدينه وملكه بطبيعة لم أر مثلها لأحد ، ما حضر حربا إلا كان أول فارس يقتل قرنه .
[ ص: 343 ] وكان
الخوارج قد استعملوا عليهم بعد قتل
عبيد الله بن الماحوز الزبير بن الماحوز ، على ما ذكرناه سنة خمس وستين ، فجاءت
الخوارج إلى
إصطخر ، فقدم إليهم
عمر ابنه
عبيد الله في خيل ، فاقتتلوا فقتل
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، وأراد
الزبير بن الماحوز قتال
عمر فقال له
قطري : إن
عمر مأثور فلا نقاتله . فأبى فقاتله ، فقتل من فرسان
الخوارج تسعون رجلا ، وطعن
عمر صالح بن مخارق ، فشتر عينه ، وضرب
قطريا على جبينه ففلقه ، وانهزمت
الخوارج وساروا إلى سابور ، فعاد عمر ولقيهم بها ومعه
مجاعة بن سعر ، فقتل
مجاعة بعمود كان معه أربعة عشر رجلا من
الخوارج ، وكاد
عمر يهلك في هذه الوقعة ، فدافع عنه
مجاعة ، فوهب له
عمر تسعمائة ألف درهم ، فقيل في ذلك : قد ذدت عادية الكتيبة عن فتى قد كاد يترك لحمه أقطاعا
وظهر عليهم ، فساروا وقطعوا قنطرة بينهما ليمتنع من طلبهم ، وقصدوا نحو
أصبهان ، فأقاموا عندها حتى قووا واستعدوا ، ثم أقبلوا حتى مروا
بفارس وبها
عمر ، فقطعوها في غير الموضع الذي هم به ، أخذوا على
سابور ، ثم على
أرجان ، حتى أتوا
الأهواز .
فقال
مصعب : العجب
لعمر ! قطع العدو الذي هو بصدد محاربته أرض
فارس فلم يقاتلهم ، ولو قاتلهم وفر كان أعذر له . وكتب إليه : يا
ابن معمر ما أنصفتني ، تجبي الفيء وتحيد عن العدو ، فاكفني أمرهم .
فسار
عمر من
فارس في أثرهم مجدا يرجو أن يلحقهم قبل أن يدخلوا
العراق ، وخرج
مصعب فعسكر عند
الجسر الأكبر ، وعسكر الناس معه ، وبلغ
الخوارج وهم
بالأهواز إقبال
عمر إليهم ، وأن
مصعبا قد خرج من
البصرة إليهم ، فقال لهم
الزبير بن الماحوز : من سوء الرأي وقوعكم بين هاتين الشوكتين ، انهضوا بنا إلى عدونا نلقهم من وجه واحد . فسار بهم فقطع بهم أرض
جوخى والنهروانات ، فأتى
المدائن وبها
كردم بن مرثد القرادي ، فشنوا الغارة على أهل
المدائن يقتلون الرجال والنساء والولدان ، ويشقون أجواف الحبالى . فهرب
كردم ، وأقبلوا إلى
ساباط ، ووضعوا السيف في الناس يقتلون ، وأرسلوا جماعة إلى
الكرخ ، فلقوا
أبا بكر بن مخنف ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فقتل
أبو بكر وانهزم أصحابه ، وأفسد
الخوارج في الأرض .
فأتى أهل
الكوفة أميرهم ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=14966الحارث بن أبي ربيعة ، ولقبه
القباع ، فصاحوا به
[ ص: 344 ] وقالوا : اخرج فإن العدو قد أظل علينا ليست له بقية . فخرج حتى نزل
النخيلة فأقام أياما ، فوثب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر ، فحثه على المسير ، فسار حتى نزل دير
عبد الرحمن ، فأقام به حتى دخل إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16088شبث بن ربعي ، فأمره بالمسير ، فلما رأى الناس بطء مسيره رجزوا به فقالوا :
سار بنا القباع سيرا نكرا يسير يوما ويقيم شهرا
فسار من ذلك المكان ، فكان كلما نزل منزلا أقام به حتى يصيح به الناس ، فبلغ الفرات في بضعة عشر يوما ، فأتاها وقد انتهى إليها
الخوارج ، فقطعوا الجسر بينهم وبينه وأخذوا رجلا اسمه
سماك بن يزيد ومعه بنت له ، فأخذوها ليقتلوها ، فقالت لهم : يا أهل الإسلام ! إن أبي مصاب فلا تقتلوه ، وأما أنا فجارية ، والله ما أتيت فاحشة قط ، ولا آذيت جارة لي ، ولا تطلعت ولا تشرفت قط . فلما أرادوا قتلها سقطت ميتة ، فقطعوها بأسيافهم ، وبقي
سماك معهم حتى أشرفوا على الصراة ، فاستقبل أهل
الكوفة فناداهم : اعبروا إليهم ، فإنهم قليل خبيث . فضربوا عنقه وصلبوه .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر للحارث : اندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الكلاب فأجيئك برءوسهم . فقال
شبث ،
nindex.php?page=showalam&ids=866وأسماء بن خارجة ،
ويزيد بن الحارث ،
ومحمد بن عمير وغيرهم : أصلح الله الأمير ، دعهم فليذهبوا . وكأنهم حسدوا
إبراهيم .
فلما رأى
الخوارج كثرة الناس قطعوا الجسر ، واغتنم ذلك
الحارث فتحبس ، ثم جلس للناس فقال : أما بعد ، فإن أول القتال الرمية بالنبل وإشراع الرماح والطعن ، ثم الطعن شزرا ، ثم السلة آخر ذلك كله . فقال له رجل : قد أحسن الأمير الصفة ، ولكن متى نصنع هذا وهذا البحر بيننا وبينهم ؟ فمر بهذا الجسر فليعقد ، ثم عبرنا إليهم ، فإن الله سيريك ما تحب .
[ ص: 345 ] فعقد الجسر وعبر الناس ، فطارد
الخوارج حتى أتوا
المدائن ، وطاردت بعض خيلهم عند الجسر طرادا ضعيفا فرجعوا ، فأتبعهم
الحارث عبد الرحمن بن مخنف في ستة آلاف ليخرجهم من أرض
الكوفة ، وقال له : إذا وقعوا في أرض
البصرة فاتركهم . فسار
عبد الرحمن يتبعهم حتى وقعوا في أرض
أصبهان ، فرجع عنهم ولم يقاتلهم ، وقصدوا
الري وعليها
يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني ، فقاتلهم ، فأعان أهل
الري الخوارج ، فقتل
يزيد وهرب ابنه
حوشب ، ودعاه أبوه ليدفع عنه فلم يرجع ، فقال بعضهم :
فلو كان حرا حوشب ذا حفيظة رأى ما رأى في الموت عيسى بن مصعب
يعني أن
عيسى بن مصعب لم يفر عن أبيه ، بل قاتل عنه معه حتى قتل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15539بشر بن مروان يوما وعنده
حوشب هذا
وعكرمة بن ربعي : من يدلني على فرس جواد ؟ فقال
عكرمة : فرس
حوشب ، فإنه نجا عليه يوم
الري . وقال
بشر أيضا يوما : من يدلني على بغلة قوية الظهر ؟ فقال
حوشب : بغلة
واصل بن مسافر . كان
عكرمة يتهم بامرأة
واصل ، فتبسم
بشر وقال : لقد انتصفت .
ولما فرغ
الخوارج من
الري انحطوا إلى
أصبهان ، فحاصروها وبها
عتاب بن ورقاء ، فصبر لهم ، وكان يقاتلهم على باب المدينة ، ويرمون من السور بالنبل والحجارة . وكان مع
عتاب رجل من
حضرموت يقال له
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ، فكان يحمل عليهم ويقول :
كيف ترون يا كلاب النار شد nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الهرار
يهركم بالليل والنهار يا ابن أبي الماحوز والأشرار
كيف ترى حربي على المضمار
فلما طال ذلك على
الخوارج كمن له رجل منهم ذات يوم ، فضربه بالسيف على حبل عاتقه فصرعه ، فاحتمله أصحابه وداووه حتى برأ ، وخرج إليهم على عادته .
ثم إن
الخوارج أقامت عليهم أشهرا حتى نفدت أطعمتهم ، واشتد عليهم الحصار ، وأصابهم الجهد الشديد ، فقال لهم
عتاب : أيها الناس قد نزل بكم من الجهد ما ترون ، وما بقي إلا أن يموت أحدكم على فراشه ، فيدفنه أخوه إن استطاع ، ثم يموت هو فلا يجد من يدفنه ولا يصلي عليه ، والله ما أنتم بالقليل ، وإنكم الفرسان الصلحاء ، فاخرجوا بنا إلى هؤلاء وبكم قوة وحياة ، قبل أن تضعفوا عن الحركة من الجهد ، فوالله إني لأرجو إن صدقتموهم أن تظفروا بهم . فأجابوه إلى ذلك .