[ ص: 356 ] 69
ثم دخلت سنة تسع وستين
ذكر
قتل عمرو بن سعيد الأشدق
في هذه السنة خالف
nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان وغلب على
دمشق ، فقتله ، وقيل : كانت هذه الحادثة سنة سبعين .
وكان السبب في ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان أقام
بدمشق بعد رجوعه من
قنسرين ما شاء الله أن يقيم ، ثم سار يريد
قرقيسيا وبها
زفر بن الحارث الكلائي ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد مع
عبد الملك ، فلما بلغ بطنان حبيب رجع
عمرو ليلا ومعه
حميد بن حريث الكلبي وزهير بن الأبرد الكلبي ، فأتى
دمشق وعليها
عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي قد استخلفه
عبد الملك ، فلما بلغه رجوع
nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد هرب عنها ، ودخلها
عمرو فغلب عليها وعلى خزائنها ، وهدم دار
ابن أم الحكم ، واجتمع الناس إليه ، فخطبهم ومناهم ووعدهم .
وأصبح
عبد الملك وفقد
عمرا ، فسأل عنه فأخبر خبره ، فرجع إلى
دمشق فقاتله أياما ، وكان
عمرو إذا أخرج
حميد بن حريث على الخيل أخرج إليه
عبد الملك سفيان بن الأبرد الكلبي ، وإذا أخرج
عمرو زهير بن الأبرد أخرج إليه
عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل .
ثم إن
عبد الملك وعمرا اصطلحا وكتبا كتابا وآمنه
عبد الملك ، فخرج
عمرو في الخيل إلى
عبد الملك ، فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب
عبد الملك ، فانقطعت وسقط السرادق ، ثم دخل على
عبد الملك فاجتمعا .
ودخل
عبد الملك دمشق يوم الخميس ، فلما كان بعد دخول
عبد الملك بأربعة أيام
[ ص: 357 ] أرسل إلى
عمرو أن ائتني ، وقد كان
عبد الملك استشار
كريب بن أبرهة الحميري في قتل
عمرو ، فقال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل ، في مثل هذا هلكت
حمير .
فلما أتى الرسول
عمرا يدعوه صادف عنده
عبد الله بن يزيد بن معاوية ، فقال
لعمرو : يا
أبا أمية ، أنت أحب إلي من سمعي ومن بصري ، وأرى لك أن لا تأتيه . فقال
عمرو : لم ؟ قال : لأن
nindex.php?page=showalam&ids=15590تبيع ابن امرأة كعب الأحبار قال : إن عظيما من ولد
إسماعيل يرجع فيغلق أبواب
دمشق ، ثم يخرج منها فلا يلبث أن يقتل . فقال
عمرو : والله لو كنت نائما ما انتهبني
ابن الزرقاء ولا اجترأ علي ، أما إني رأيت
عثمان البارحة في المنام فألبسني قميصه . وكان
عبد الله بن يزيد زوج ابنة
عمرو . ثم قال
عمرو للرسول : أنا رائح العشية .
فلما كان العشاء لبس
عمرو درعا ولبس عليها القباء وتقلد سيفه ، وعنده
حميد بن حريث الكلبي ، فلما نهض متوجها عثر بالبساط ، فقال له
حميد : والله لو أطعتني لم تأته . وقالت له امرأته الكلبية كذلك ، فلم يلتفت ومضى في مائة من مواليه .
وقد جمع
عبد الملك عنده
بني مروان ، فلما بلغ الباب أذن له فدخل ، فلم يزل أصحابه يحبسون عند كل باب حتى بلغ قارعة الدار وما معه إلا وصيف له ، فنظر
عمرو إلى
عبد الملك وإذا حوله
بنو مروان ،
وحسان بن بحدل الكلبي ،
وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، فلما رأى جماعتهم أحس بالشر ، فالتفت إلى وصيفه وقال : انطلق إلى أخي يحيى فقل له يأتني ، فلم يفهم الوصيف فقال له : لبيك ! فقال
عمرو : اغرب عني في حرق الله وناره ! وأذن
عبد الملك لحسان وقبيصة ، فقاما فلقيا
عمرا في الدار ، فقال
عمرو لوصيفه : انطلق إلى
يحيى فمره أن يأتيني . فقال : لبيك ! فقال
عمرو : اغرب عني .
فلما خرج
حسان وقبيصة أغلقت الأبواب ودخل
عمرو ، فرحب به
عبد الملك وقال : هاهنا هاهنا يا
أبا أمية ! فأجلسه معه على السرير ، وجعل يحادثه طويلا ، ثم قال : يا غلام ، خذ السيف عنه . فقال
عمرو : إنا لله يا أمير المؤمنين . فقال
عبد الملك : أتطمع أن تجلس معي متقلدا سيفك ؟ فأخذ السيف عنه ، ثم تحدثا ، ثم قال له
عبد الملك : يا
أبا أمية ، إنك حيث خلعتني أليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجعلك في جامعة . فقال له
بنو مروان : ثم تطلقه يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم ، وما عسيت أن
[ ص: 358 ] أصنع
بأبي أمية ؟ فقال
بنو مروان : أبر قسم أمير المؤمنين . فقال
عمرو : قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنين .
فأخرج من تحت فراشه جامعة وقال : يا غلام ، قم فاجمعه فيها . فقام الغلام فجمعه فيها . فقال
عمرو : أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رءوس الناس . فقال
عبد الملك : أمكرا يا
أبا أمية عند الموت ؟ لا والله ما كنا لنخرجك في جامعة على رءوس الناس . ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسر ثنيتيه . فقال
عمرو : أذكرك الله يا أمير المؤمنين ، كسر عظم مني فلا تركب ما هو أعظم من ذلك . فقال له
عبد الملك : والله لو أعلم أنك تبقي علي إن أنا أبقيت عليك وتصلح
قريش لأطلقتك ، ولكن ما اجتمع رجلان في بلده قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه . فلما رأى
عمرو أنه يريد قتله قال : أغدرا يا
ابن الزرقاء !
وقيل : إن
عمرا لما سقطت ثنيتاه جعل يمسهما ، فقال
عبد الملك : يا
عمرو ، أرى ثنيتيك قد وقعتا منك موقعا لا تطيب نفسك بعده .
وأذن المؤذن العصر فخرج
عبد الملك يصلي بالناس وأمر أخاه
عبد العزيز أن يقتله ، فقام إليه
عبد العزيز بالسيف ، فقال
عمرو : أذكرك الله والرحم أن تلي قتلي ، ليقتلني من هو أبعد رحما منك . فألقى السيف وجلس ، وصلى
عبد الملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب . ورأى الناس عبد الملك حين خرج وليس معه
عمرو ، فذكروا ذلك
ليحيى بن سعيد ، فأقبل في الناس ومعه ألف عبد
لعمرو ، وناس من أصحابه كثير ، فجعلوا يصيحون بباب
عبد الملك : أسمعنا صوتك يا
أبا أمية ! فأقبل مع
يحيى حميد بن حريث وزهير بن الأبرد ، فكسروا باب المقصورة وضربوا الناس بالسيوف ، وضرب
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك على رأسه ، واحتمله
إبراهيم بن عربي صاحب الديوان ، فأدخله بيت القراطيس .
ودخل
عبد الملك حين صلى فرأى
عمرا بالحياة ، فقال
لعبد العزيز : ما منعك أن تقتله ؟ فقال : إنه ناشدني الله والرحم فرققت له . فقال له : أخزى الله أمك البوالة على
[ ص: 359 ] عقبيها ، فإنك لم تشبه غيرها ! ثم أخذ
عبد الملك الحربة فطعن بها
عمرا ، فلم تجز ، ثم ثنى فلم تجز ، فضرب بيده على عضده فرأى الدرع فقال : ودرع أيضا ؟ إن كنت لمعدا ! فأخذ الصمصامة ، وأمر
بعمرو فصرع ، وجلس على صدره فذبحه وهو يقول :
يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
وانتفض عبد الملك رعدة ، فحمل عن صدره فوضع على سريره ، وقال : ما رأيت مثل هذا قط ، قتله صاحب دنيا ولا طالب آخرة .
ودخل
يحيى ومن معه على
بني مروان يخرجهم ومن كان من مواليهم ، فقاتلوا
يحيى وأصحابه ، وجاء
عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي ، فدفع إليه الرأس ، فألقاه إلى الناس ، وقام
nindex.php?page=showalam&ids=16380عبد العزيز بن مروان وأخذ المال في البدر ، فجعل يلقيها إلى الناس ، فلما رأى الناس الرأس والأموال ( انتهبوا الأموال وتفرقوا ) ، ثم أمر
عبد الملك بتلك الأموال فجبيت حتى عادت إلى بيت المال .
وقيل : إن
عبد الملك إنما أمر بقتل
عمرو حين خرج إلى الصلاة غلامه
أبا الزعيزعة ، فقتله وألقى رأسه إلى الناس ، ورمي
يحيى بصخرة في رأسه ، وأخرج
عبد الملك سريره إلى المسجد ، وخرج وجلس عليه ، وفقد
الوليد ابنه فقال : والله لئن كانوا قتلوه لقد أدركوا ثأرهم . فأتاه
إبراهيم بن عربي الكناني ، فقال :
الوليد عندي ، وقد جرح وليس عليه بأس .
وأتي
عبد الملك بيحيى بن سعيد ، وأمر به أن يقتل ، فقام إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16380عبد العزيز بن مروان فقال : جعلت فداك يا أمير المؤمنين ! أتراك قاتلا
بني أمية في يوم واحد ! فأمر
بيحيى فحبس . وأراد قتل
عنبسة بن سعيد ، فشفع فيه
عبد العزيز أيضا ، وأراد قتل
عامر بن الأسود الكلبي ، فشفع فيه
عبد العزيز ، وأمر ببني
nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد فحبسوا ، ثم أخرجهم مع عمهم
يحيى ، فألحقهم بمصعب بن الزبير .
[ ص: 360 ] ثم بعث
عبد الملك إلى
امرأة عمرو الكلبية : ابعثي إلي كتاب الصلح الذي كتبته
لعمرو . فقالت لرسوله : ارجع فأعلمه أن ذلك الصلح معه في أكفانه ليخاصمك عند ربه .
وكان
عبد الملك وعمرو يلتقيان في النسب في أمية ، هذا
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، وذاك
nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ، وكانت
أم عمرو أم البنين بنت الحكم عمة عبد الملك .
فلما قتل
عبد الملك مصعبا ، واجتمع الناس عليه - دخل أولاد
عمرو على
عبد الملك ، وهم أربعة :
أمية ،
وسعيد ،
وإسماعيل ،
ومحمد ، فلما نظر إليهم قال لهم : إنكم أهل بيت لم تزالوا ترون لكم على جميع قومكم فضلا لم يجعله الله لكم ، وإن الذي كان بيني وبين أبيكم لم يكن حديثا ، ولكن كان قديما في أنفس أوليكم على أولينا في الجاهلية . فأقطع بأمية ، وكان أكبرهم ، فلم يقدر أن يتكلم ، فقام
nindex.php?page=showalam&ids=15997سعيد بن عمرو ، وكان الأوسط ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما تنعى علينا أمرا كان في الجاهلية ، وقد جاء الله بالإسلام فهدم ذلك ووعد جنة وحذر نارا ، وأما الذي كان بينك وبين
عمرو فإنه كان ابن عمك ، وأنت أعلم بما صنعت ، وقد وصل
عمرو إلى الله ، وكفى بالله حسيبا ، ولعمري لئن أخذتنا بما كان بينك وبينه لبطن الأرض خير لنا من ظهرها . فرق لهم
عبد الملك وقال : إن أباكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله ، فاخترت قتله على قتلي ، وأما أنتم فما أرغبني فيكم ، وأوصلني لقرابتكم ! وأحسن جائزتهم ووصلهم وقربهم .
وقيل : إن
خالد بن يزيد قال
لعبد الملك ذات يوم : عجبت كيف أصبت غرة
عمرو . فقال
عبد الملك :
أدنيته مني ليسكن روعه فأصول صولة حازم مستمكن
غضبا ومحمية لديني إنه ليس المسيء سبيله كالمحسن
[ ص: 361 ] وقيل : إنما خلع
عمرو وقتله حين سار
عبد الملك نحو
العراق لقتال
مصعب ، فقال له
عمرو : إنك تخرج إلى
العراق وقد كان أبوك جعل لي هذا الأمر بعده ، وعلى ذلك قاتلت معه ، فاجعل هذا الأمر لي بعدك ، فلم يجبه
عبد الملك إلى ذلك ، فرجع إلى
دمشق ، وكان من قتله ما تقدم .
وقيل : بل كان
عبد الملك قد استخلف
عمرا على
دمشق ، فخالفه وتحصن بها . والله أعلم .
ولما سمع
عبد الله بن الزبير بقتل
عمرو قال : إن
ابن الزرقاء قتل لطيم الشيطان ،
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون وبلغ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية فقال :
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه يرفع له يوم القيامة لواء على قدر غدرته .