[ ص: 442 ] ذكر
الحرب بين شبيب والجزل بن سعيد ، وقتل سعيد بن مجالد
فلما قدم الفل
الكوفة سير
الحجاج الجزل بن سعيد بن شرحبيل الكندي ، واسمه عثمان ، نحو
شبيب ، وأوصاه بالاحتياط وترك العجلة ، فقال له : لا تبعث معي من الجند المهزوم أحدا ، فإنهم قد دخلهم الرعب ، ولا ينتفع بهم المسلمون . قال : قد أحسنت . فأخرج معه أربعة آلاف ، فساروا معه ، فقدم
الجزل بين يديه عياض بن أبي لبنة
الكندي ، فساروا في طلب
شبيب ، وجعل
شبيب يريه الهيبة له ، فيخرج من رستاق إلى رستاق ولا يقيم ، إرادة أن يفرق
الجزل أصحابه ، فيلقاه وهو على غير تعبية . فجعل
الجزل لا يسير إلا على تعبية ، ولا ينزل إلا خندق على نفسه .
فلما طال ذلك على
شبيب دعا أصحابه ، وكانوا مائة وستين رجلا ، ففرقهم أربع فرق ، على كل أربعين رجل من أصحابه ، فجعل أخاه
مصادا في أربعين ،
وسويد بن سليم في أربعين ،
والمحلل بن وائل في أربعين ، وبقي هو في أربعين ، وأتته عيونه فأخبروه أن
الجزل بدير يزدجرد ، فأمر
شبيب أصحابه فعلقوا على دوابهم ، ثم سار بهم ، وأمر كل رأس من أصحابه أن يأتي
الجزل من جهة ذكرها له ، وقال : إني أريد أن أبيته ، وأمرهم بالجد في القتال ، فسار أخوه فانتهى إلى
دير الخرارة ، فرأى
للجزل مسلحة مع
ابن أبي لبنة ، فحمل عليهم
مصاد في أربعين رجلا ، فقاتلوه ساعة ، ثم اندفعوا بين يديه ، وقد أدركهم
شبيب ، فقال : اركبوا أكتافهم لتدخلوا عليهم عسكرهم إن استطعتم .
واتبعوهم ملحين ، فانتهوا إلى عسكرهم ، فمنعهم أصحابه من دخول خندقهم ، وكان
للجزل مسالح أخرى ، فرجعت فمنعتهم من دخول الخندق ، وقال : انضحوا عنكم بالنبل . وجعل
شبيب يحمل على المسالح حتى اضطرهم إلى الخندق ، ورشقهم أهل العسكر بالنبل . فلما رأى
شبيب أنه لا يصل إليه قال لأصحابه : سيروا ودعوهم . فمضى على الطريق ، ثم نزل هو وأصحابه فاستراحوا ، ثم أقبل بهم راجعا إلى
الجزل أيضا على التعبية الأولى وقال : أطيفوا بعسكرهم . فأقبلوا وقد أدخل أهل العسكر مسالحهم إليهم ( وقد أمنوا ، فما شعروا إلا بوقع حوافر الخيل ، فانتهوا إليهم ) قبل الصبح ، وأحاطوا بعسكرهم من جهاته الأربع ، فقاتلوهم .
[ ص: 443 ] ثم إن
شبيبا أرسل إلى أخيه
مصاد ، وهو يقاتلهم من نحو
الكوفة ، أن أقبل إلينا وخل لهم الطريق ، ففعل ، وقاتلوهم من الوجوه الثلاثة حتى أصبحوا ، فسار
شبيب وتركهم ولم يظفر بهم ، فنزل على ميل ونصف ، ثم صلى الغداة ، ثم سار إلى
جرجرايا .
وأقبل
الجزل في طلبهم على تعبية ولا ينزل إلا في خندق . وسار
شبيب في أرض
جوخى وغيرها يكسر الخراج ، فطال ذلك على
الحجاج ، فكتب إلى
الجزل ينكر عليه إبطاءه ، ويأمره بمناهضتهم ، فجد في طلبهم ، وبعث
الحجاج سعيد بن مجالد على جيش
الجزل ، وأمره بالجد في قتال
شبيب وترك المطاولة .
فوصل
سعيد إلى
الجزل ، وهو
بالنهروان قد خندق عليه ، وقام في العسكر ووبخهم وعجزهم ، ثم خرج وأخرج معه الناس ، وضم إليه خيول أهل العسكر ليسير بهم جريدة إلى
شبيب ، ويترك الباقين مكانهم ، فقال له
الجزل : ما تريد أن تصنع ؟ قال : أقدم على
شبيب في هذه الخيل . فقال له
الجزل : أقم أنت في جماعة الناس فارسهم وراجلهم وأبرز لهم ، فوالله ليقدمن عليك ، ولا تفرق أصحابك . فقال : قف أنت في الصف . فقال
الجزل : يا
سعيد ، ليس لي في ما صنعت رأي ، أنا بريء منه .
ووقف
الجزل فصف
أهل الكوفة وقد أخرجهم من الخندق . وتقدم
سعيد بن مجالد ومعه الناس ، وقد أخذ
شبيب إلى
قطيطيا فدخلها ، وأمر دهقانا أن يصلح لهم غداء ، ففعل وأغلق الباب ، فلم يفرغ من الغداء حتى أتاه
سعيد في ذلك العسكر ، فأقبل الدهقان فأعلم
شبيبا بهم ، فقال : لا بأس ، قرب الغداء . فقربه ، فأكل وتوضأ وصلى ركعتين ، وركب بغلا له وخرج عليه ،
وسعيد على باب المدينة ، فحمل عليهم فقال : لا حكم إلا للحكم ( الحكيم ) ، أنا
أبو مدله ، اثبتوا إن شئتم .
وجعل
سعيد يقول : هؤلاء إنما هم أكلة رأس ، وجعل يجمع خيله ويرسلها في أثر
شبيب ، فلما رأى
شبيب تفرقهم جمع أصحابه وقال : استعرضوهم ، فوالله لأقتلن أميرهم أو ليقتلني . وحمل عليهم مستعرضا ، فهزمهم ، وثبت سعيد ونادى أصحابه ، فحمل عليه
شبيب فضربه بالسيف فقتله ، وانهزم ذلك الجيش ، وقتلوا كل قتلة حتى انتهوا إلى
الجزل ، فناداهم : أيها الناس ، إلي إلي ! وقاتل قتالا شديدا حتى حمل من بين القتلى جريحا ، وقدم المنهزمون
الكوفة ، وكتب
الجزل إلى
الحجاج بالخبر ، ويخبره بقتل
سعيد ، وأقام
بالمدائن ، وكتب إليه
الحجاج يثني عليه ويشكره ، وأرسل إليه
حيان بن أبجر ليداوي
[ ص: 444 ] جراحته ، وألفي درهم لينفقها ، وبعث إليه
عبد الله بن أبي عصيفر بألف درهم ، فكان يعوده ويتعاهده بالهدية .
وسار
شبيب نحو
المدائن ، فعلم أنه لا سبيل [ له ] إلى أهلها مع المدينة ، فأقبل حتى انتهى إلى
الكرخ ، فعبر
دجلة إليها ، فأرسل إلى سوق بغداد فآمنهم ، وكان يوم سوقهم ، وبلغه أنهم يخافونه ، واشترى أصحابه دواب وأشياء يريدونها .