ذكر محاربة الأمراء المقدم ذكرهم
وقتل محمد بن موسى بن طلحة
فلما هزم أصحاب
زحر قال أصحاب
شبيب لشبيب : قد هزمنا لهم جندا ، انصرف بنا الآن وافرين . فقال لهم : هذه الهزيمة قد أرعبت هؤلاء الأمراء والجنود الذين في طلبكم ، فاقصدوا بنا نحوهم ، فوالله لئن قاتلناهم فما دون
الحجاج مانع ، ونأخذ
الكوفة إن شاء الله - تعالى - . فقالوا : نحن لرأيك تبع .
فسار وسأل عن الأمراء فأخبر أنهم
بروذبار على أربعة وعشرين فرسخا من
الكوفة ، فقصدهم ، فأرسل إليهم
الحجاج يعلمهم بمسيره ويقول لهم : إن أمير الجماعة
nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة بن قدامة .
وانتهى إليهم
شبيب وقد تعبؤوا للحرب ، فكان على ميمنة
أهل الكوفة زياد بن عمرو العتكي ، وفي ميسرتهم
بشر بن غالب الأسدي ، وكل أمير واقف في أصحابه ، وأقبل
[ ص: 448 ] شبيب على فرس كميت أغر في ثلاث كتائب ، كتيبة فيها
سويد بن سليم ، فوقف بإزاء الميمنة ، وكتيبة فيها
مصاد ، أخو شبيب ، فوقف بإزاء الميسرة ، ووقف
شبيب مقابل القلب .
فخرج
nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة بن قدامة يسير في الناس ، ويحثهم على الجهاد لعدوهم والقتال ، ويطمعهم في عدوهم لقلته وباطله ، وكثرتهم وأنهم على الحق ، ثم انصرف إلى موقفه ، فحمل
سويد بن سليم على
زياد بن عمرو ، فانكشفوا ، وثبت
زياد في نحو من نصف أصحابه ، ثم ارتفع عنهم
سويد قليلا ، ثم حمل عليهم ثانية ، فتطاعنوا ساعة ، وصبر
زياد ساعة ، وقاتل
زياد قتالا شديدا ، وقاتل
سويد أيضا قتالا شديدا ، وإنه لأشجع العرب ، ثم ارتفع
سويد عنهم ، وإذا أصحاب
زياد يتفرقون ، فقال
لسويد أصحابه : ألا تراهم يتفرقون ؟ احمل عليهم . فقال لهم
شبيب : خلوهم حتى يخفوا . فتركهم قليلا ثم حمل الثالثة فانهزموا ، وأخذت
زياد بن عمرو السيوف من كل جانب ، فما ضره منها شيء للبسة التي عليه ، ثم إنه انهزم وقد جرح جراحة يسيرة ، وذلك عند المساء .
ثم حملوا على
عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر فهزموه ، ولم يقاتل كثيرا ، ولحق
بزياد بن عمرو ، فمضيا منهزمين ، وحملت
الخوارج حتى انتهت إلى
محمد بن موسى بن طلحة عند المغرب ، فقاتلوه قتالا شديدا وصبر لهم ، ثم إن
مصادا أخا شبيب حمل على
بشر بن غالب وهو في ميسرة
أهل الكوفة ، فصبر
بشر ونزل ، ونزل معه نحو خمسين رجلا ، فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم وانهزم أصحابه .
وحملت
الخوارج على
أبي الضريس مولى بني تميم ، وهو يلي
بشر بن غالب ، فهزموه ، حتى انتهى إلى موقف أعين فهزموهما ، حتى انتهوا بهما إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة بن قدامة ، فلما انتهوا إليه نادى : يا أهل الإسلام ! الأرض الأرض ، لا يكونوا على كفرهم أصبر منكم على إيمانكم . فقاتلهم عامة الليل حتى كان السحر .
ثم إن
شبيبا حمل عليه في جماعة من أصحابه ، فقتله وقتل أصحابه ، وتركهم ربضة حوله .
ولما قتل
زائدة دخل
أبو الضريس وأعين جوسقا عظيما ، وقال
شبيب لأصحابه : ارفعوا السيف [ عن الناس ] وادعوهم إلى البيعة . فدعوهم إلى البيعة عند الفجر فبايعوه . وكان فيمن بايعه
nindex.php?page=showalam&ids=11935أبو بردة بن أبي موسى ، فقال
شبيب لأصحابه : هذا ابن أحد الحكمين . فأرادوا قتله ، فقال
شبيب : ما ذنب هذا ؟ وتركه ، وسلموا على
شبيب بإمرة المؤمنين وخلى سبيلهم ، فبقوا كذلك حتى انفجر الفجر ، فلما ظهر الفجر أمر
محمد بن موسى مؤذنه فأذن ، وكان لم ينهزم ، فسمع
شبيب الأذان فقال : ما هذا ؟ قالوا :
محمد بن موسى بن [ ص: 449 ] طلحة لم يبرح . فقال : قد ظننت أن حمقه وخيلاءه يحمله على هذا . ثم نزل
شبيب فأذن هو وصلى بأصحابه الصبح ، ثم ركبوا فحملوا على
محمد وأصحابه ، فانهزمت طائفة منهم وثبتت معه طائفة ، فقاتل حتى قتل ، وأخذت
الخوارج ما كان في العسكر ، وانهزم الذين كانوا بايعوا
شبيبا ، فلم يبق منهم أحد .
ثم أتى
شبيب الجوسق الذي فيه
أعين وأبو الضريس فتحصنوا منه ، فأقام عليهم ذلك اليوم وسار عنهم . فقال أصحابه : ما دون
الكوفة أحد يمنع . فنظر وإذا أصحابه قد جرحوا ، فقال لهم : ما عليكم أكثر مما فعلتم . فخرج بهم على نفر ، ثم على الصراة ، فأتى خانيجار فأقام بها . فبلغ
الحجاج مسيره نحو نفر فظن أنه يريد المدائن ، وهي باب
الكوفة ، ومن أخذها كان في يده من السواد أكثره ، فهال ذلك
الحجاج ، فبعث
عثمان بن قطن أميرا على
المدائن وجوخى والأنبار ، وعزل عنها
عبد الله بن أبي عصيفر ، وكان بها
الجزل يداوي جراحته ، فلم يتعهده
عثمان كما كان
ابن أبي عصيفر يفعل ، فقال
الجزل : اللهم زد
ابن أبي عصيفر جودا وفضلا ، وزد
عثمان بن قطن بخلا وضيقا .
وقد قيل في مقتل
محمد بن موسى غير هذا ، والذي ذكر من ذلك أن
محمد بن موسى كان قد شهد مع
nindex.php?page=showalam&ids=16679عمر بن عبيد الله بن معمر قتال
أبي فديك ، وكان شجاعا ذا بأس ، فزوجه
عمر ابنته ، وكانت أخته تحت
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، فولاه
سجستان ، فمر
بالكوفة وفيها
الحجاج فقيل له : إن صار هذا
بسجستان مع صهره ،
لعبد الملك ، فلجأ إليه أحد ممن تطلب - منعك منه فقال : وما الحيلة ؟ قال : تأتيه وتسلم عليه وتذكر نجدته وبأسه ، وأن
شبيبا في طريقه ، وأنه قد أعياك ، وترجو أن يريح الله منه على يده ، فيكون له ذكره وفخره .
ففعل
الحجاج ذلك ، فأجابه
محمد وعدل إلى
شبيب ، فأرسل إليه
شبيب : إنك مخدوع ، وإن
الحجاج قد اتقى بك وأنت جار لك حق ، فانطلق لما أمرت به ، ولك الله لا أوذيك . فأبى إلا محاربته ، فواقفه
شبيب وأعاد إليه الرسول ، فأبى وطلب البراز ، فبرز إليه
البطين بن قعنب ،
وسويد بن سليم ، فأبى إلا
شبيبا ، فقالوا ذلك
لشبيب ، فبرز
شبيب إليه وقال له : أنشدك الله في دمك ، فإن لك جوارا . فأبى ، فحمل
شبيب عليه فضربه
[ ص: 450 ] بعمود حديد وزنه اثنا عشر رطلا بالشامي ، فهشم البيضة ورأسه ، فسقط ميتا ، ثم كفنه ودفنه ، وابتاع ما غنموا من عسكره فبعثه إلى أهله واعتذر إلى أصحابه ، وقال : هو جاري ، ولي أن أهب ما غنمت لأهل الردة .