ذكر
خروج مطرف بن المغيرة بن شعبة قيل : إن
بني المغيرة بن شعبة كانوا صلحاء أشرافا بأنفسهم مع شرف أبيهم ومنزلتهم من قومهم ، فلما قدم
الحجاج ورآهم علم أنهم رجال قومهم ، فاستعمل
عروة على
الكوفة ،
ومطرفا على
المدائن ،
وحمزة على
همذان ، وكانوا في أعمالهم أحسن الناس سيرة ، وأشدهم على المريب ، وكان
مطرف على
المدائن عند خروج
شبيب وقربه منها ، كما سبق ، فكتب إلى
الحجاج يستمده ، فأمده
بسبرة بن عبد الرحمن بن مخنف وغيره ، وأقبل
شبيب حتى نزل
بهرسير ، وكان
مطرف بالمدينة العتيقة ، وهي التي فيها
إيوان كسرى ، فقطع
مطرف الجسر ، وبعث إلى
شبيب يطلب إليه أن يرسل بعض أصحابه لينظر فيما يدعون ، فبعث إليه عدة منهم ، فسألهم
مطرف عما يدعون إليه ، فقالوا : ندعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإن الذي نقمنا من قومنا الاستئثار بالفيء ، وتعطيل الحدود ، ( والتسلط بالجبرية ) .
فقال لهم
مطرف : ما دعوتم إلا إلى حق ، وما نقمتم إلا جورا ظاهرا ، أنا لكم متابع
[ ص: 466 ] فتابعوني على ما أدعوكم إليه ; ليجتمع أمري وأمركم . فقالوا : اذكره فإن يكن حقا نجبك إليه . قال : أدعوكم إلى أن نقاتل هؤلاء الظلمة على إحداثهم ، وندعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وأن يكون هذا الأمر شورى بين المسلمين ، يؤمرون من يرتضون على مثل هذه الحال التي تركهم عليها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فإن العرب إذا علمت أن ما يراد بالشورى الرضى من
قريش رضوا ، وكثر تبعكم وأعوانكم . فقالوا : هذا ما لا نجيبك إليه . وقاموا من عنده وترددوا بينهم أربعة أيام ، فلم تجتمع كلمتهم ، فساروا من عنده . وأحضر
مطرف نصحاءه وثقاته ، فذكر لهم ظلم
الحجاج وعبد الملك ، وأنه ما زال يؤثر مخالفتهم ومناهضتهم ، وأنه يرى ذلك دينا لو وجد عليه أعوانا ، وذكر لهم ما جرى بينه وبين أصحاب
شبيب ، وأنهم لو تابعوه على رأيه لخلع
عبد الملك والحجاج ، واستشارهم فيما يفعل .
فقالوا له : اخف هذا الكلام ولا تظهره لأحد . فقال له
يزيد بن أبي زياد ، مولى أبيه المغيرة بن شعبة : والله لا يخفى على
الحجاج مما كان بينك وبينهم كلمة واحدة ، وليزادن على كل كلمة عشر أمثالها ، ولو كنت في السحاب لالتمسك
الحجاج حتى يهلك ، فالنجاء النجاء !
فوافقه أصحابه على ذلك ، فسار عن
المدائن نحو الجبال ، فلقيه
قبيصة بن عبد الرحمن الخثعمي بدير يزدجرد ، فأحسن إليه وأعطاه نفقة وكسوة ، فصحبه ثم عاد عنه ، ثم ذكر
مطرف لأصحابه
بالدسكرة ما عزم عليه ، ودعاهم إليه ، وكان رأيه خلع
عبد الملك والحجاج ، والدعاء إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين ، يرتضون لأنفسهم من أحبوه . فبايعه البعض على ذلك ، ورجع عنه البعض .
وكان ممن رجع عنه
سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف ، فجاء إلى
الحجاج ، وقاتل
شبيبا مع
أهل الشام .
وسار
مطرف نحو
حلوان ، وكان بها
سويد بن عبد الرحمن السعدي من قبل
الحجاج ، فأراد هو
والأكراد منعه ليعذر عند
الحجاج ، فجازه
مطرف بمواطأة منه ، وأوقع
مطرف بالأكراد ، فقتل منهم وسار ، فلما دنا من
همذان وبها أخوه
حمزة بن المغيرة تركها ذات اليسار ، وقصد
ماه دينار ، وأرسل إلى أخيه
حمزة يستمده بالمال والسلاح ، فأرسل إليه سرا ما طلب . وسار
مطرف حتى بلغ
قم وقاشان ، وبعث عماله على تلك النواحي ،
[ ص: 467 ] وأتاه الناس ، وكان ممن أتاه :
سويد بن سرحان الثقفي ،
وبكير بن هارون النخعي ، من
الري ، في نحو مائة رجل .
وكتب
البراء بن قبيصة ، وهو عامل
الحجاج على
أصبهان ، إليه يعرفه حال
مطرف ويستمده ، فأمده بالرجال بعد الرجال على دواب البريد ، وكتب
الحجاج إلى
عدي بن زياد عامل
الري يأمره بقصد
مطرف ، وأن يجتمع هو
والبراء على محاربته ، فسار
عدي من
الري ، فاجتمع هو
والبراء بن قبيصة ، وكان
عدي هو الأمير ، فاجتمعوا في نحو ستة آلاف مقاتل ، وكان
حمزة بن المغيرة قد أرسل إلى
الحجاج يعتذر ، فأظهر قبول عذره وأراد عزله ، وخاف أن يمتنع عليه ، فكتب إلى
قيس بن سعد العجلي ، وهو على شرطة
حمزة بهمذان ، بعهده على
همذان ، ويأمره أن يقبض على
حمزة بن المغيرة .
وكان
بهمذان من عجل
وربيعة جمع كثير ، فسار
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد إلى
حمزة في جماعة من عشيرته ، فأقرأه العهد بولاية
همذان وكتاب
الحجاج بالقبض عليه ، وقال : سمعا وطاعة . فقبض
قيس على
حمزة وجعله في السجن ، وتولى
قيس همذان ، وتفرغ قلب
الحجاج من هذه الناحية لقتال
مطرف ، وكان يخاف مكان
حمزة بهمذان لئلا يمد أخاه بالمال والسلاح ، ولعله ينجده بالرجال .
فلما قبض عليه سكن قلبه وتفرغ باله ، ولما اجتمع
عدي بن زياد الإيادي ،
والبراء بن قبيصة - سارا نحو
مطرف فخندقا عليه ، فلما دنوا اصطفوا للحرب ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أصحاب
مطرف ، وقتل
مطرف وجماعة كثيرة من أصحابه ، قتله
عمير بن هبيرة الفزاري ، وحمل رأسه فتقدم بذلك عند
بني أمية ، وقاتل
ابن هبيرة ذلك اليوم ، وأبلى بلاء حسنا .
وقتل
يزيد بن أبي زياد مولى المغيرة ، وكان صاحب راية
مطرف ، وقتل من أصحابه
عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف الأزدي ، وكان ناسكا صالحا .
وبعث
عدي بن زياد إلى
الحجاج أهل البلاء ، فأكرمهم وأحسن إليهم ، وآمن
عدي بكير بن هارون ،
وسويد بن سرحان ، وغيرهما ، وطلب منه الأمان
للحجاج بن حارثة الخثعمي ، فبعث إليهم كتاب
الحجاج يأمره بإرساله إليه إن كان حيا ، فاختفى
ابن حارثة حتى عزل
عدي ، ثم ظهر في إمارة
خالد بن عتاب بن ورقاء .
وكان
الحجاج يقول : إن
مطرفا ليس بولد
nindex.php?page=showalam&ids=19للمغيرة بن شعبة ، إنما هو ولد
مصقلة بن [ ص: 468 ] سبرة الشيباني ، وكان
مصقلة والمغيرة يدعيانه ، فألحق
بالمغيرة وجلد
مصقلة الحد ، فلما أظهر رأي
الخوارج قال
الحجاج ذلك ; لأن كثيرا من
ربيعة كانوا من خوارج ، ولم يكن منهم أحد من
قيس عيلان .