[ ص: 29 ] 91
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين
ذكر
تتمة خبر قتيبة مع نيزك
قد ذكرنا مسير
قتيبة إلى
نيزك وما جرى له
بالطالقان وقتل من قتل بها ، فلما فتح
الطالقان استعمل أخاه
عمر بن مسلم ، وقيل : إن ملكها لم يحارب
قتيبة ، فكف عنه ، وكان بها لصوص ، فقتلهم
قتيبة وصلبهم ، ثم سار
قتيبة إلى الفارياب ، فخرج إليه ملكها مقرا مذعنا ، فقبل منه ولم يقتل أحدا ، واستعمل عليها رجلا من أهله .
وبلغ ملك الجوزجان خبرهم ، فهرب إلى الجبال ، وسار
قتيبة إلى الجوزجان ، فلقيه أهلها سامعين مطيعين ، فقبل منهم ولم يقتل بها أحدا ، واستعمل عليها
عامر بن مالك الحماني .
ثم أتى بلخ ، فلقيه أهلها ، فلم يقم بها إلا يوما واحدا ، وسار يتبع أخاه
عبد الرحمن إلى شعب خلم ، ومضى
نيزك إلى
بغلان ، وخلف مقاتلة على فم الشعب ومضايقه ليمنعوه ، ووضع مقاتلته في قلعة حصينة من وراء الشعب . فأقام
قتيبة أياما يقاتلهم على مضيق الشعب لا يقدر على دخوله ولا يعرف طريقا يسلكه إلى
نيزك إلا الشعب أو مفازة لا تحتملها العساكر ، فبقي متحيرا ، فقدم إنسان ، فاستأمنه على أن يدله على مدخل القلعة التي من وراء الشعب ، فآمنه
قتيبة ، وبعث معه رجالا ، فانتهى بهم إلى القلعة من وراء شعب خلم ، فطرقوهم وهم آمنون ، فقتلوهم ، وهرب من بقي منهم ومن كان في الشعب ، فدخل
قتيبة الشعب فأتى القلعة ، ومضى إلى
سمنجان فأقام بها أياما ، ثم سار إلى
نيزك ، وقدم أخاه
عبد الرحمن .
فارتحل
نيزك من منزله فقطع
وادي فرغانة ، ووجه ثقله وأمواله إلى
كابل شاه ،
[ ص: 30 ] ومضى حتى نزل
الكرز (
وعبد الرحمن يتبعه ، فنزل
عبد الرحمن حذاء الكرز ) ، ونزل
قتيبة بمنزل بينه وبين
عبد الرحمن فرسخان ، فتحصن
نيزك في
الكرز وليس إليه مسلك إلا من وجه واحد ، وهو صعب لا تطيقه الدواب ، فحصره
قتيبة شهرين حتى قل ما في يد
نيزك من الطعام وأصابهم الجدري ، وجدر
جبغويه .
وخاف
قتيبة الشتاء ، فدعا
سليما الناصح ، فقال : انطلق إلى
نيزك واحتل لتأتيني به بغير أمان ، فإن احتال وأبى فآمنه ، واعلم أني إن عاينتك وليس هو معك صلبتك . قال : فاكتب إلى
عبد الرحمن لا يخالفني ، فكتب إليه ، فقدم عليه ، فقال له : ابعث رجالا ليكونوا على فم الشعب ، فإذا خرجت أنا
ونيزك فليعطفوا من ورائنا فيحولوا بيننا وبين الشعب ، فبعث
عبد الرحمن خيلا ، فكانت هناك ، وحمل
سليم معه أطعمة وأخبصة أوقارا ، وأتى
نيزك ، فقال له : إنك أسأت إلى
قتيبة وغدرت . قال
نيزك : فما الرأي ؟ قال : أرى أن تأتيه فإنه ليس ببارح ، وقد عزم على أن يشتو مكانه هلك أو سلم . قال
نيزك : فكيف آتيه على غير أمان ؟ قال : ما أظنه يؤمنك; لما في نفسه عليك; لأنك قد ملأته غيظا ، ولكني أرى أن لا يعلم [ بك ] حتى تضع يدك في يده ، فإني أرجو أن يستحي ويعفو [ عنك ] ، قال : إني أرى نفسي تأبى هذا وهو إن رآني قتلني ، فقال
سليم : ما أتيتك إلا لأشير عليك بهذا ، ولو فعلت لرجوت أن تسلم وتعود حالك عنده ، فإذا أبيت فإني منصرف .
وقدم
سليم الطعام الذي معه ، ولا عهد لهم بمثله ، فانتهبه أصحاب
نيزك ، فساءه ذلك ، فقال له
سليم : إني لك من الناصحين ، أرى أصحابك قد جهدوا ، وإن طال بهم الحصار لم آمنهم أن يستأمنوا بك ، فأت
قتيبة ، فقال : لا آمنه على نفسي ولا آتيه إلا بأمان ، وإن ظني أن يقتلني وإن آمنني ، ولكن الأمان أعذر إلي . فقال
سليم : قد آمنك ، أفتتهمني ؟ قال : لا . وقال له أصحابه : اقبل قول
سليم فلا يقول إلا حقا .
فخرج معه ومع
جبغويه وصول
طرخان ، خليفة
جبغويه ، وحبس
طرخان صاحب شرطته
وشقران ابن أخي نيزك ، فلما خرجوا من الشعب عطفت الخيل التي خلفها
سليم ، فحالوا بين
الأتراك أصحاب
نيزك والخروج ، فقال
نيزك : هذا أول الغدر . قال
سليم : تخلف هؤلاء عنك خير لك . وأقبل
سليم ونيزك ومن معه حتى دخلوا إلى
قتيبة ، فحبسهم وكتب إلى
الحجاج يستأذنه في قتل
نيزك ، ووجه
قتيبة [
معاوية بن عامر بن علقمة [ ص: 31 ] العليمي ، فاستخرج ] ما كان في الكرز من متاع ومن كان فيه فقدم به على
قتيبة . فانتظر بهم كتاب
الحجاج ، فأتاه كتاب
الحجاج بعد أربعين يوما يأمره بقتل
نيزك ، فدعا
قتيبة الناس واستشارهم في قتله ، واختلفوا ، فقال
ضرار بن حصين : إني سمعتك تقول : أعطيت الله عهدا إن أمكنك منه أن تقتله ، فإن لم تفعل فلا ينصرك الله عليه أبدا .
فدعا
نيزك فضرب رقبته بيده ، وأمر بقتل صول ، وابن أخي
نيزك ، وقتل من أصحابه سبعمائة ، وقيل : اثني عشر ألفا ، وصلب
نيزك وابن أخيه ، وبعث برأسه إلى
الحجاج ، وقال
نهار بن توسعة في قتل
نيزك :
لعمري لنعمت غزوة الجند غزوة قضت نحبها من
نيزك وتعلت
وأخذ
الزبير مولى عباس الباهلي حقا
لنيزك فيه جوهر ، وكان أكثر من في بلاده مالا وعقارا من ذلك الجوهر ، وأطلق
قتيبة جبغويه ومن عليه وبعث به إلى
الوليد ، فلم يزل
بالشام حتى مات
الوليد .
كان الناس يقولون : غدر
قتيبة بنيزك ، فقال بعضهم :
فلا تحسبن الغدر حزما فربما ترقت به الأقدام يوما فزلت
فلما قتل
قتيبة نيزك رجع إلى
مرو ، وأرسل ملك الجوزجان يطلب الأمان ، فآمنه على أن يأتيه ، فطلب رهنا ويعطي رهائن ، فأعطاه
قتيبة حبيب بن عبد الله بن حبيب الباهلي ، وأعطى ملك الجوزجان رهائن من أهل بيته ، وقدم على
قتيبة [ فصالحه ] ، ثم رجع فمات بالطالقان ، فقال أهل الجوزجان : إنهم سموه ، فقتلوا
حبيبا ، وقتل
قتيبة الرهائن الذين كانوا عنده .