ذكر
فتح جرجان وطبرستان
في هذه السنة غزا
nindex.php?page=showalam&ids=17357يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان لما قدم
خراسان .
وسبب غزوهما واهتمامه بهما أنه لما كان عند
سليمان بن عبد الملك
بالشام كان
سليمان كلما فتح
قتيبة فتحا يقول
ليزيد : ألا ترى إلى ما يفتح الله على
قتيبة ؟ فيقول
يزيد : ما فعلت
جرجان ( التي قطعت الطريق ، وأفسدت قومس ونيسابور ويقول : هذه الفتوح ليست بشيء ، الشان هي
جرجان .
فلما ولاه
سليمان خراسان لم يكن له همة غير
جرجان ) ، فسار إليها في مائة ألف
[ ص: 88 ] من أهل
الشام والعراق
وخراسان ، سوى الموالي والمتطوعة ، ولم تكن
جرجان يومئذ مدينة ، إنما هي جبال ومخارم وأبواب ، يقوم الرجل على باب منها فلا يقدم عليه أحد . فابتدأ
بقهستان فحاصرها ، وكان أهلها طائفة من
الترك ، وأقام عليها . وكان أهلها يخرجون ويقاتلون ، فيهزمهم المسلمون في كل ذلك ، فإذا هزموا دخلوا الحصن . فخرجوا ذات يوم وخرج إليهم الناس ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فحمل
محمد بن أبي سبرة على تركي قد صد الناس عنه ، فاختلفا ضربتين ، فثبت سيف التركي في بيضة
nindex.php?page=showalam&ids=12503ابن أبي سبرة ، وضربه
nindex.php?page=showalam&ids=12503ابن أبي سبرة فقتله ، ورجع وسيفه يقطر دما ، وسيف التركي في بيضته ، فنظر الناس إلى أحسن منظر رأوه .
وخرج
يزيد بعد ذلك يوما ينظر مكانا يدخل منه عليهم ، وكان في أربعمائة من وجوه الناس وفرسانهم ، فلم يشعروا حتى هجم عليهم
الترك في نحو أربعة آلاف ، فقاتلوهم ساعة ، وقاتل
يزيد قتالا شديدا ، فسلموا وانصرفوا ، وكانوا قد عطشوا ، فانتهوا إلى الماء فشربوا ، ورجع عنهم العدو .
ثم إن
يزيد ألح عليهم في القتال ، وقطع عنهم المواد حتى ضعفوا وعجزوا . فأرسل صول ، دهقان قهستان ، إلى
يزيد يطلب منه أن يصالحه ويؤمنه على نفسه وأهله وماله ، ليدفع إليه المدينة بما فيها ، فصالحه ووفى له ، ودخل المدينة ، فأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز والسبي ما لا يحصى ، وقتل أربعة عشر ألف تركي صبرا ، وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك بذلك . ثم خرج حتى أتى
جرجان .
وكان أهل
جرجان قد صالحهم
nindex.php?page=showalam&ids=74سعيد بن العاص ، وكانوا يجبون أحيانا مائة ألف ، وأحيانا مائتي ألف ، وأحيانا ثلاثمائة ألف ، وربما أعطوا ذلك وربما منعوه ، ثم امتنعوا وكفروا ، فلم يعطوا خراجا ، ولم يأت
جرجان بعد
سعيد أحد ، ومنعوا ذلك الطريق ، فلم يكن يسلك طريق
خراسان أحد إلا على فارس وكرمان . وأول من صير الطريق من قومس
nindex.php?page=showalam&ids=16819قتيبة بن مسلم حين ولي
خراسان . وبقي أمر
جرجان كذلك حتى ولي
يزيد وأتاهم ، فاستقبلوه بالصلح ، وزادوه وهابوه ، فأجابهم إلى ذلك وصالحهم .
فلما فتح
قهستان وجرجان طمع في
طبرستان أن يفتحها ، فعزم على أن يسير إليها ، فاستعمل
عبد الله بن المعمر اليشكري على
الساسان وقهستان ، وخلف معه أربعة آلاف ، ثم أقبل إلى أداني
جرجان مما يلي
طبرستان ، فاستعمل على
أيذوسا راشد بن عمرو ، وجعله في أربعة آلاف ، ودخل بلاد
طبرستان ، فأرسل إليه
الإصبهبذ صاحبها يسأله الصلح وأن يخرج من
طبرستان ، فأبى
يزيد ، ورجا أن يفتتحها ، ووجه أخاه
أبا عيينة من
[ ص: 89 ] وجه ، وابنه
خالد بن يزيد من وجه ،
وأبا الجهم الكلبي من وجه ، وقال : إذا اجتمعتم فأبوا
عيينة على الناس . فسار
أبو عيينة وأقام
يزيد معسكرا .
واستجاش
الإصبهبذ أهل
جيلان والديلم ، فأتوه فالتقوا في سفح جبل ، فانهزم المشركون في الجبل ، فاتبعهم المسلمون حتى انتهوا إلى فم الشعب ، فدخله المسلمون وصعد المشركون في الجبل واتبعهم المسلمون يرومون الصعود ، فرماهم العدو بالنشاب والحجارة ، فانهزم
أبو عيينة والمسلمون يركب بعضهم بعضا ، يتساقطون في الجبل حتى انتهوا إلى عسكر
يزيد ، وكف عدوهم عن اتباعهم ، وخافهم
الإصبهبذ ، فكان أهل
جرجان ومقدمهم المرزبان يسألهم أن يبيتوا من عندهم من المسلمين ، وأن يقطعوا عن
يزيد المادة والطريق فيما بينه وبين بلاد الإسلام ، ويعدهم أن يكافئهم على ذلك ، فثاروا بالمسلمين ، فقتلوهم أجمعين وهم غارون في ليلة ، وقتل
عبد الله بن المعمر وجميع من معه فلم ينج منهم أحد ، وكتبوا إلى
الإصبهبذ بأخذ المضايق والطرق .
وبلغ ذلك
يزيد وأصحابه فعظم عليهم وهالهم ، وفزع
يزيد إلى
حيان النبطي وقال له : لا يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين ، وقد جاءنا عن
جرجان ما جاءنا فاعمل في الصلح . فقال : نعم . فأتى
حيان الإصبهبذ فقال : أنا رجل منكم ، وإن كان الدين فرق بيني وبينكم ، فأنا لكم ناصح ، فأنت أحب إلي من
يزيد ، وقد بعث يستمد وأمداده منه قريبة ، وإنما أصابوا منه طرفا ، ولست آمن أن يأتيك من لا تقوم له ، فأرح نفسك وصالحه ، فإن صالحته صير حده على أهل
جرجان بغدرهم وقتلهم أصحابه . فصالحه على سبعمائة ألف ، وقيل خمسمائة ألف وأربعمائة وقر زعفران ، أو قيمته من العين ، وأربعمائة رجل ، على كل رجل منهم ترس وطيلسان ، ومع كل رجل جام من فضة وخرقة حرير وكسوة .
ثم رجع
حيان إلى
يزيد ، فقال : ابعث من ( يحمل صلحهم ) ، فقال : من عندهم أو من عندنا ؟ قال : من عندهم ، وكان
يزيد قد طابت نفسه أن يعطيهم ما سألوا ويرجع إلى
جرجان ، فأرسل إلى
يزيد من يقبض ما صالحهم عليه
حيان ، فانصرف إلى
جرجان . وكان
يزيد قد أغرم
حيان مائتي ألف درهم ، وسبب ذلك أن
حيان كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17057مخلد بن يزيد ، فبدأ بنفسه ، فقال له ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل بن حيان : تكتب إلى
مخلد وتبدأ بنفسك . قال : نعم ،
[ ص: 90 ] وإن لم يرض لقي ما لقي
قتيبة . فبعث مخلد الكتاب إلى أبيه
يزيد ، فأغرمه مائتي ألف درهم .
وقيل : إن سبب مسير
يزيد إلى
جرجان أن
صولا التركي كان ينزل
قهستان والبحيرة ، وهي جزيرة في البحر بينها وبين
قهستان خمسة فراسخ ، وهما من
جرجان مما يلي
خوارزم ، وكان يغير على
فيروز [ بن ] قول مرزبان
جرجان ، فيصيب من بلاده . فخافه
فيروز ، فسار إلى
يزيد بخراسان وقدم عليه ، فسأله عن سبب قدومه ، فقال : خفت
صولا فهربت منه ، وأخذ
صول جرجان . فقال
يزيد لفيروز : هل من حيلة لقتاله ؟ قال : نعم ، شيء واحد إن ظفرت به قتلته وأعطى بيده . قال : ما هو ؟ قال : تكتب إلى
الإصبهبذ كتابا تسأله فيه أن يحتال
لصول حتى يقيم
بجرجان ، واجعل له على ذلك جعلا ، فإنه يبعث بكتابك إلى
صول يتقرب [ به ] إليه فيتحول عن
جرجان فينزل
البحيرة ، وإن تحول عن
جرجان وحاصرته ظفرت به . ففعل
يزيد ذلك ، وضمن
للإصبهبذ خمسين ألف دينار إن هو حبس
صولا عن
البحيرة ليحاصره
بجرجان ، فأرسل
الإصبهبذ الكتاب إلى
صول ، فلما أتاه الكتاب رحل إلى
البحيرة ليتحصن بها ، وبلغ
يزيد مسيره فخرج إلى
جرجان ومعه
فيروز ، واستعمل على
خراسان ابنه
مخلدا ، وعلى
سمرقند وكش ونسف وبخارى ابنه
معاوية ، وعلى
طخارستان حاتم بن قبيصة بن المهلب ، وأقبل حتى أتى
جرجان ، فدخلها ولم يمنعه منها أحد ، وسار منها إلى
البحيرة فحصر
صولا بها ، فكان يخرج إليه
صول فيقاتله ثم يرجع ، فمكثوا بذلك ستة أشهر ، فأصابهم مرض وموت ، فأرسل
صول يطلب الصلح على نفسه وماله وثلاثمائة من أهله وخاصته ، ويسلم إليه
البحيرة ، فأجابه
يزيد ، فخرج بماله وثلاثمائة ممن أحب .
وقتل
يزيد من
الأتراك أربعة عشر ألفا صبرا ، وأطلق الباقين . وطلب الجند أرزاقهم ، فقال
لإدريس بن حنظلة العمي : أحص لنا ما في
البحيرة حتى نعطي الجند . فدخلها
إدريس فلم يقدر على إحصاء ما فيها ، فقال
ليزيد : لا أستطيع ذلك وهو في ظروف ، فتحصى الجواليق ويعلم ما فيها ويعطى الجند فمن أخذ شيئا عرفنا ما أخذ من الحنطة والشعير والأرز والسمسم والعسل ، ففعلوا ذلك وأخذوا شيئا كثيرا ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب على خزائن
nindex.php?page=showalam&ids=17357يزيد بن المهلب ، فرفعوا عليه أنه أخذ خريطة ، فسأله
يزيد عنها ، فأتاه بها فأعطاها شهرا ، فقال بعضهم :
[ ص: 91 ] لقد باع شهر دينه بخريطة فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
وقال
مرة الحنفي :
يا ابن المهلب ما أردت إلى امرئ لولاك كان كصالح القراء
وأصاب
يزيد بجرجان تاجا فيه جوهر فقال : أترون أحدا يزهد في هذا ؟ قالوا : لا . فدعا
nindex.php?page=showalam&ids=17036محمد بن واسع الأزدي فقال : خذ هذا التاج . قال : لا حاجة لي فيه . قال : عزمت عليك . فأخذه ، فأمر
يزيد رجلا ينظر ما يصنع به ، فلقي سائلا فدفعه إليه ، فأخذ الرجل السائل وأتى به
يزيد وأخبره ، فأخذ
يزيد التاج وعوض السائل مالا كثيرا .