[ ص: 152 ] 104
ثم دخلت سنة أربع ومائة
ذكر
الوقعة بين الحرشي والصغد
قيل : وفي هذه السنة غزا
الحرشي فقطع النهر ، وسار ، فنزل في
قصر الريح على فرسخين من
الدبوسية ، ولم يجتمع إليه جنده ، فأمر بالرحيل ، ( فقال له
هلال بن عليم الحنظلي : يا هناه ، إنك وزيرا خير منك أميرا ، لم يجتمع إليك جندك وقد أمرت بالرحيل ) . فعاد فأمر بالنزول ، وأتاه ابن عم ملك
فرغانة ، فقال له : إن
أهل الصغد بخجندة ، وأخبره بخبرهم ، وقال : عاجلهم قبل أن يصلوا إلى الشعب ، فليس لهم جوار علينا حتى يمضي الأجل . فوجه معه
عبد الرحمن القشيري ،
وزياد بن عبد الرحمن في جماعة ، ثم ندم بعدما فصلوا ، وقال : جاءني علج لا أعلم أصدق أم كذب ، فغررت بجند من المسلمين ، فارتحل في أثرهم حتى نزل
أشروسنة فصالحهم بشيء يسير .
فبينا هو يتعشى إذ قيل له هذا
عطاء الدبوسي ، وكان مع
عبد الرحمن ، فسقطت اللقمة من يده ، ودعا
بعطاء ، فقال : ويلك قاتلتم أحدا ؟ قال : لا . قال : لله الحمد ! وتعشى وأخبره بما قدم له ، فسار مسرعا حتى لحق
القشيري بعد ثلاثة أيام ، وسار فلما انتهى إلى
خجندة ، قال له بعض أصحابه : ما ترى ؟ قال : أرى المعاجلة . قال : لا أرى ذلك ، إن جرح رجل فإلى أين يرجع ، أو قتل قتيل فإلى من يحمل ؟ ولكني أرى النزول والتأني والاستعداد للحرب . فنزل فأخذ في التأهب ، فلم يخرج أحد من العدو ، فجبن الناس
الحرشي وقالوا : كان يذكر بشجاعة وديانة ، فلما صار
بخراسان ماق . فحمل رجل من العرب فضرب باب
خجندة بعمود ففتح الباب ، وكانوا حفروا في ربضهم وراء الباب الخارج خندقا وغطوه بقصب وتراب مكيدة ، وأرادوا إذا التقوا إن انهزموا كانوا قد
[ ص: 153 ] عرفوا الطريق ، ويشكل على المسلمين ويسقطون في الخندق ، فلما خرجوا قاتلوهم فانهزموا ، وأخطأهم الطريق فسقطوا في الخندق ، وأخرج منهم المسلمون أربعين رجلا . وحصرهم
الحرشي ونصب عليهم المجانيق . فأرسلوا إلى ملك
فرغانة : إنك غدرت بنا ، وسألوه أن ينصرهم ، فقال : قد أتوكم قبل انقضاء الأجل ، ولستم في جواري . فطلبوا الصلح وسألوا الأمان وأن يردهم إلى
الصغد ، واشترط عليهم أن يردوا ما في أيديهم من نساء العرب وذراريهم ، وأن يؤدوا ما كسروا من الخراج ، ولا يغتالوا أحدا ، ولا يتخلف منهم
بخجندة أحد ، فإن أحدثوا حدثا حلت دماؤهم .
فخرج إليهم الملوك والتجار من
الصغد ، وترك أهل
خجندة على حالهم ، ونزل عظماء
الصغد على الجند الذين يعرفونهم ، ونزل
كارزنج على
أيوب بن أبي حسان . وبلغ
الحرشي أنهم قتلوا امرأة ممن كان في أيديهم ، فقال : بلغني أن
ثابتا قتل امرأة ودفنها ، فجحد ، فسأل فإذا الخبر صحيح ، فدعا
بثابت إلى خيمته فقتله ، فلما سمع
كارزنج بقتله خاف أن يقتل ، وأرسل إلى ابن أخيه ليأتيه بسراويل ، وكان قد قال لابن أخيه : إذا طلبت سراويل فاعلم أنه القتل ، فبعث به إليه ، وخرج ، واعترض الناس ، فقتل ناسا ، وتضعضع العسكر ، ولقوا منه شرا ، وانتهى إلى
ثابت بن عثمان بن مسعود ، فقتله
ثابت .
وقتل
الصغد أسرى عندهم من المسلمين مائة وخمسين رجلا ، فأخبر
الحرشي بذلك ، فسأل ، فرأى الخبر صحيحا ، فأمر بقتلهم وعزل التجار عنهم ، فقاتلهم
الصغد بالخشب ، ولم يكن لهم سلاح ، فقتلوا عن آخرهم ، وكانوا ثلاثة آلاف ، وقيل : سبعة آلاف ، واصطفى أموال
الصغد وذراريهم ، وأخذ منها ما أعجبه ، ثم دعا
مسلم بن بديل العدوي عدي الرباب ، وقال : وليتك المقسم . فقال : بعدما عمل فيه عمالك ليلة ! وله غيري ، فولاه غيره . وكتب
الحرشي إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17369يزيد بن عبد الملك ، ولم يكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16685عمر بن هبيرة ، فكان هذا مما أوغر صدره عليه ، وقال
ثابت قطنة يذكر ما أصابوا من عظمائهم :
أقر العين مصرع كارزنج وكشكير وما لاقى يباد وديوشتى وما لاقى خلنج
بحصن خجند إذ دمروا فبادوا
[ ص: 154 ] يقال : إن
ديوشتى دهقان
سمرقند ، واسمه
ديو أشنج فأعربوه ، وقيل : كان على أقباض
خجندة علباء بن أحمر اليشكري ، فاشترى رجل منهم جونة بدرهمين ، فوجد فيها سبائك ذهب ، فرجع وقد وضع يده على وجهه كأنه رمد ، فرد الجونة ، وأخذ الدرهمين ، فطلب فلم يعرف .
وسرح
الحرشي سليمان بن أبي السري إلى حصن يطيف به وادي
الصغد إلا من وجه واحد ، ومعه
خوارزمشاه ، وصاحب آخرون ،
وشومان ، فسير
سليمان على مقدمته
المسيب بن بشر الرياحي ، فتلقوه على فرسخ ، فهزمهم حتى ردهم إلى حصنهم فحصرهم ، فطلب
الديوشتى أن ينزل على حكم
الحرشي ، فسيره إليه ، فأكرمه ، وطلب أهل القلعة الصلح على أن لا يتعرض لنسائهم وذراريهم ويسلمون القلعة . فبعث
سليمان إلى
الحرشي ليبعث الأمناء لقبض ما في القلعة ، فبعث من قبضه وباعوه وقسموه .
وسار
الحرشي إلى
كش ، وصالحوه على عشرة آلاف رأس ، وقيل ستة آلاف رأس . وسار إلى
زرنج ، فوافاه كتاب
ابن هبيرة بإطلاق
ديوشتى ، فقتله وصلبه ، وولى
nindex.php?page=showalam&ids=17204نصر بن سيار قبض صلح
كش ، واستعمل
سليمان بن أبي السري على
كش ونسف حربها وخراجها . وكانت خزائن منيعة ، فقال
المجشر للحرشي : ألا أدلك على من يفتحها لك بغير قتال ؟ قال : بلى . قال :
المسربل بن الخريت بن راشد الناجي ، فوجهه إليها ، وكان صديقا لملكها ، واسم الملك
سبقرى ، فأخبر الملك بما صنع
الحرشي بأهل
خجندة وخوفه ، قال : فما ترى ؟ قال : أن تنزل بأمان . قال : فما أصنع بمن لحق بي ؟ قال : تجعلهم في أمانك ، فصالحهم فآمنوه وبلاده ، ورجع
الحرشي إلى بلاده ومعه
سبقرى ، فقتل
سبقرى وصلب ومعه الأمان .