ذكر
وقعة الجنيد بالشعب في هذه السنة خرج
الجنيد غازيا يريد
طخارستان ، فوجه
عمارة بن حريم إلى
طخارستان في ثمانية عشر ألفا ، ووجه
إبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر ، وجاشت
الترك فأتوا
سمرقند وعليها
سورة بن الحر ، فكتب
سورة إلى
الجنيد : إن
خاقان جاش
الترك ، فخرجت إليهم فلم أطق [ أن ] أمنع حائط
سمرقند ، فالغوث الغوث !
فأمر
الجنيد الناس بعبور النهر ، فقام إليه
المجشر بن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي وغيرهما وقالوا : إن
الترك ليسوا كغيرهم لا يلقونك صفا ولا زحفا وقد فرقت جندك ،
فمسلم بن عبد الرحمن بالبيروذ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13823والبختري بهراة ،
وعمارة بن حريم غائب
بطخارستان ، وصاحب
خراسان لا يعبر النهر في أقل من خمسين ألفا ، فاكتب إلى
عمارة [ ص: 201 ] فليأتك وأمهل ولا تعجل .
قال : فكيف
بسورة ومن معه من المسلمين ؟ لو لم أكن إلا في
بني مرة أو من طلع معي من
الشام لعبرت ، وقال شعرا :
أليس أحق الناس أن يشهد الوغى وأن يقتل الأبطال ضخما على ضخم
وقال :
ما علتي ما علتي ما علتي إن لم أقتلهم فجزوا لمتي
وعبر
الجنيد فنزل
كش وتأهب للمسير ، وبلغ
الترك فعوروا الآبار التي في طريق
كش ، فقال
الجنيد : أي طريق إلى
سمرقند أصلح ؟ فقالوا : طريق المحترقة . فقال
المجشر : القتل بالسيف أصلح من القتل بالنار ، طريق المحترقة كثير الشجر والحشيش ولم يزرع منذ سنين ، فإن لقينا
خاقان أحرق ذلك كله فقتلنا بالنار والدخان ، ولكن خذ طريق العقبة فهو بيننا وبينهم سواء . فأخذ
الجنيد طريق العقبة فارتقى في الجبل ، فأخذ
المجشر بعنان دابته وقال : إنه كان يقال إن رجلا مترفا من
قيس يهلك على يديه جند من جنود
خراسان وقد خفنا أن تكونه . قال : ليفرخ روعك . قال : أما ما كان بيننا مثلك فلا . فبات في أصل العقبة ، ثم سار بالناس حتى صار بينه وبين
سمرقند أربعة فراسخ ودخل الشعب ، فصبحه
خاقان في جمع عظيم ، وزحف إليه
أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من
الترك ، فحمل
خاقان على المقدمة ، وعليها
عثمان بن عبد الله بن الشخير ، فرجعوا إلى العسكر
والترك تتبعهم وجاءوهم من كل وجه ، فجعل
الجنيد تميما والأزد في الميمنة ،
وربيعة في الميسرة مما يلي الجبل ، وعلى مجففة خيل
بني تميم عبيد الله بن زهير بن حيان ، وعلى المجردة
عمرو بن جرقاش المنقري ، وعلى جماعة
بني تميم عامر بن مالك الحماني ، وعلى
الأزد عبد الله بن بسطام بن مسعود بن عمرو ، وعلى المجففة والمجردة
فضيل بن هناد وعبد الله بن حوذان .
فالتقوا ، وقصد العدو الميمنة لضيق الميسرة ، فترجل
حسان بن عبيد الله بن زهير بين يدي أبيه ، فأمره أبوه بالركوب ، فركب ، وأحاط العدو بالميمنة ، فأمدهم
الجنيد بنصر بن سيار ، فشد هو ومن معه على العدو فكشفوهم ، ثم كروا عليهم وقتلوا
عبيد الله بن زهير وابن جرقاش والفضيل بن هناد ، وجالت الميمنة
والجنيد واقف في القلب ، فأقبل إلى الميمنة ووقف تحت راية
الأزد ، وكان قد جفاهم ، فقال له صاحب
[ ص: 202 ] الراية : ما هلكنا لتكرمنا ، ولكنك علمت أنه لا يوصل إليك ومنا رجل حي ، فإن ظفرنا كان لك ، وإن هلكنا لم تبك علينا . وتقدم فقتل ، وأخذ الراية
ابن مجاعة فقتل ، وتداولها ثمانية عشر رجلا فقتلوا ، وقتل يومئذ من
الأزد ثمانون رجلا .
وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا ، فكانت السيوف لا تقطع شيئا ، فقطع عبيدهم الخشب يقاتلون به حتى مل الفريقان ، فكانت المعانقة ثم تحاجزوا .
وقتل من
الأزد عبد الله بن بسطام ،
ومحمد بن عبد الله بن حوذان ،
والحسن بن شيخ ،
والفضيل صاحب الخيل ،
ويزيد بن الفضل الحداني ، وكان قد حج فأنفق في حجته ثمانين ومائة ألف ، وقال لأمه : ادعي الله أن يرزقني الشهادة ، فدعت له وغشي عليها ، فاستشهد بعد مقدمه من الحج بثلاثة عشر يوما ، وقتل
النضر بن راشد العبدي ، وكان قد دخل على امرأته والناس يقتتلون فقال لها : كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة في لبد مضرجا بالدم ؟ فشقت جيبها ودعت بالويل ، فقال لها : حسبك ، لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقا إلى ( الحور العين ! فرجع وقاتل حتى استشهد ، رحمه الله .
فبينا الناس كذلك إذ أقبل ) رهج وطلعت فرسان ، فنادى منادي
الجنيد : الأرض الأرض ! فترجل وترجل الناس ، ثم نادى : ليخندق كل قائد على حياله ، فخندقوا وتحاجزوا ، وقد أصيب من
الأزد مائة وتسعون رجلا .
وكان قتالهم يوم الجمعة ، فلما كان يوم السبت قصدهم
خاقان وقت الظهر فلم ير موضعا للقتال أسهل من موضع
بكر بن وائل ، وعليهم
زياد بن الحارث ، فقصدهم ، فلما قربوا حملت
بكر عليهم فأفرجوا لهم ، فسجد
الجنيد واشتد القتال بينهم .