ذكر
نبوة المسيح وبعض معجزاته
لما كانت
مريم بمصر نزلت على دهقان ، وكانت داره يأوي إليها الفقراء والمساكين ، فسرق له مال ، فلم يتهم المساكين ، فحزنت
مريم فلما رأى
عيسى حزن أمه قال : أتريدين أن أدله على ماله ؟ قالت : نعم . قال : إنه أخذه الأعمى والمقعد ، اشتركا فيه ، حمل الأعمى المقعد فأخذه ، فقيل للأعمى ليحمل المقعد ، فأظهر العجز ، فقال له
المسيح : كيف قويت على حمله البارحة لما أخذتما المال ؟ فاعترفا وأعاداه .
ونزل بالدهقان أضياف ولم يكن عندهم شراب ، فاهتم لذلك ، فلما رآه
عيسى دخل بيتا للدهقان فيه صفان من جرار فأمر
عيسى يده على أفواهها وهو يمشي ، فامتلأت شرابا ، وعمره حينئذ اثنتا عشرة سنة .
وكان في الكتاب يحدث الصبيان بما يصنع أهلوهم وبما كانوا يأكلون .
قال
وهب : بينما
عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فضربه برجله فقتله فألقاه بين رجلي
المسيح متلطخا بالدم ، فانطلقوا به إلى الحاكم في ذلك البلد فقالوا : قتل صبيا ، فسأله الحاكم ، فقال : ما قتلته . فأرادوا أن يبطشوا به ، فقال : إيتوني بالصبي حتى أسأله من قتله ، فتعجبوا من قوله ، وأحضروا عنده القتيل ، فدعا الله فأحياه ، فقال : من قتلك ؟ فقال : قتلني فلان ، يعني الذي قتله . فقال
بنو إسرائيل للقتيل : من هذا ؟ قال : هذا
عيسى ابن مريم ، ثم مات الغلام من ساعته .
وقال
عطاء : سلمت
مريم عيسى إلى صباغ يتعلم عنده ، فاجتمع عند الصباغ ثياب
[ ص: 280 ] وعرض له حاجة ، فقال
للمسيح : هذه ثياب مختلفة الألوان وقد جعلت في كل ثوب منها خيطا على اللون الذي يصبغ به فاصبغها حتى أعود من حاجتي هذه . فأخذها
المسيح وألقاها في جب واحد ، فلما عاد الصباغ سأله عن الثياب فقال : صبغتها . فقال : أين هي ؟ قال : في هذا الجب ، فقال : كلها ؟ قال : نعم . قال : لقد أفسدتها على أصحابها ! وتغيظ عليه ، فقال له
المسيح : لا تعجل وانظر إليها ، وقام وأخرجها كل ثوب منها على اللون الذي أراد صاحبه ، فتعجب الصباغ منه وعلم أن ذلك من الله تعالى .
ولما عاد
عيسى وأمه إلى
الشام نزلا بقرية يقال لها
ناصرة ، وبها سميت
النصارى ، فأقام إلى أن بلغ ثلاثين سنة ، فأوحى الله إليه أن يبرز للناس ويدعوهم إلى الله تعالى ويداوي المرضى والزمنى والأبرص وغيرهم من المرضى ، ففعل ما أمر به ، وأحبه الناس ، وكثر أتباعه وعلا ذكره .
وحضر يوما طعام بعض الملوك كان دعا الناس إليه ، فقعد على قصعة يأكل منها ولا تنقص ، فقال الملك : من أنت ؟ قال : أنا
عيسى ابن مريم . فنزل الملك عن ملكه واتبعه نفر من أصحابه فكانوا
الحواريين .
وقيل : إن
الحواريين هم الصباغ الذي تقدم ذكره وأصحاب له ، وقيل : كانوا صيادين ، وقيل : قصارين ، وقيل : ملاحين ، والله أعلم . وكانت عدتهم اثني عشر رجلا ، وكانوا إذا جاعوا أو عطشوا قالوا : يا روح الله قد جعنا وعطشنا ، فيضرب يده إلى الأرض فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين وما يشربون . فقالوا : من أفضل منا ، إذا شئنا أطعمتنا وسقيتنا ! فقال : أفضل منكم من يأكل من كسب يده ، فصاروا يغسلون الثياب بالأجرة .
ولما أرسله الله أظهر من المعجزات أنه صور من طين صورة طائر ثم نفخ فيه
[ ص: 281 ] فيصير طائرا بإذن الله ، وقيل هو الخفاش .
وكان غالبا على زمانه الطب فأتاهم بما أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى تعجيزا لهم ، فممن أحياه "
عازر " ، وكان صديقا
لعيسى ، فمرض ، فأرسلت أخته إلى
عيسى أن
عازر يموت ، فسار إليه وبينهما ثلاثة أيام ، فوصل وقد مات منذ ثلاثة أيام ، فأتى قبره فدعا له فعاش ، وبقي حتى ولد له . وأحيا امرأة وعاشت وولد لها . وأحيا
سام بن نوح ، كان يوما مع
الحواريين يذكر
نوحا والغرق والسفينة فقالوا : لو بعثت لنا من شهد ذلك ! فأتى تلا وقال : هذا قبر
سام بن نوح ، ثم دعا الله فعاش ، وقال : قد قامت القيامة ؟ فقال
المسيح : لا ولكن دعوت الله فأحياك ، فسألوه ، فأخبرهم ، ثم عاد ميتا .
وأحيا
عزيرا النبي ، قال له
بنو إسرائيل : أحي لنا
عزيرا وإلا أحرقناك . فدعا الله فعاش ، فقالوا : ما تشهد لهذا الرجل ؟ قال : أشهد أنه عبد الله ورسوله . وأحيا
يحيى بن زكرياء . وكان يمشي على الماء .