ذكر
الطبقة الثالثة من ملوك الروم بعد الهجرة [ ص: 304 ] فأولهم
هرقل ، قد ذكر سبب ملكه ، وكان مدة ملكه خمسا وعشرين سنة ، وقيل : إحدى وثلاثين سنة ، وفي أيامه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنه ملك المسلمون
الشام .
ثم ملك بعده ابنه
قسطنطين ، وقيل : هو ابن أخيه
قسطنطين ، وكان ملكه تسع سنين وستة أشهر ، وسيرد خبره عند ذكر غزاة الصواري ، إن شاء الله .
وفي أيامه كان السنهودس السادس على لعن رجل يقال له
قورس الإسكندراني خالف الملكية ووافق
المارونية .
ثم ملك بعده ابنه
قسطا خمس عشرة سنة في خلافة
علي - عليه السلام -
ومعاوية . ثم ملك
هرقل الأصغر بن قسطنطين أربع سنين وثلاثة أشهر . ثم ملك
قسطنطين بن قسطا ثلاث عشرة سنة بعض أيام
معاوية وأيام
يزيد وابنه
معاوية nindex.php?page=showalam&ids=17065ومروان بن الحكم وصدرا من أيام
عبد الملك .
[ ص: 305 ] ثم ملك
أسطينان ، المعروف بالأخرم ، تسع سنين أيام
عبد الملك ، ثم خلعه
الروم وخرموا أنفه وحمل إلى بعض الجزائر ، فهرب ولحق بملك
الخزر واستنجده فلم ينجده ، فانتقل إلى ملك
برجان . ثم ملك بعده
لونطش ثلاث سنين أيام
عبد الملك ، ثم ترك الملك وترهب . ثم ملك
ابسمير ، المعروف بالطرسوسي ، سبع سنين ، فقصده
أسطينان ومعه
برجان وجرى بينهما حروب كثيرة ، وظفر به
أسطينان وخلعه وعاد إلى ملكه ، فكان ذلك أيام
nindex.php?page=showalam&ids=15490الوليد بن عبد الملك . واستقر
أسطينان ، وكان قد شرط لملك
برجان أن يحمل إليه خراجا كل سنة ، فعسف
الروم وقتل بها خلقا كثيرا ، فاجتمعوا عليه وقتلوه ، فكان ملكه الثاني سنتين ونصفا ، وكان قتله أول دولة
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك . ثم ملك
نسطاس بن فيلفوس ، وكان في أيامه اختلاف بين
الروم فخلعوه ونفوه .
ثم ملك
تيدوس المعروف بالأرمني في أيام
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك أيضا ، وهو الذي حصره
nindex.php?page=showalam&ids=17088مسلمة بن عبد الملك . ثم ملك بعده
اليون بن قسطنطين لضعفه عن الملك ، وضمن
اليون للروم رد المسلمين عن
القسطنطينية فملكوه ، فكان ملكه ستا وعشرين سنة ، ومات في السنة التي بويع فيها
nindex.php?page=showalam&ids=15501الوليد بن يزيد بن عبد الملك .
ثم ملك بعده ابنه
قسطنطين إحدى وعشرين سنة ، وفي أيامه انقرضت الدولة الأموية وتوفي لعشر سنين مضت من أيام
المنصور .
[ ص: 306 ] ثم ملك بعده ابنه
اليون تسع عشرة سنة وأربعة أشهر بقية أيام
المنصور ، وتوفي في خلافة
المهدي .
ثم ملك بعده
ريني امرأة اليون بن قسطنطين ، ومعها ابنها
قسطنطين بن اليون ، وهي تدبر الأمر بقية أيام
المهدي والهادي وصدرا من خلافة
الرشيد . فلما كبر ابنها أفسد ما بينه وبين
الرشيد ، وكانت أمه مهادنة له ، فقصده
الرشيد وجرى له معه وقعة ، فانهزم وكاد يؤخذ ، فكحلته أمه وانفردت بالملك بعده خمس سنين وهادنت
الرشيد .
ثم ملك بعدها
نقفور ، أخذ الملك منها ، وكان ملكه سبع سنين وثلاثة أشهر ، وهو
نقفور أبو استبراق ، وكنت قد رأيته مضبوطا بكثير من الكتب بسكون القاف ، حتى رأيت رجلا زعم أن اسمه
نقفور ، بفتح القاف .
وعهد
نقفور إلى ابنه
استبراق بالملك بعده ، وهو أول من فعل ذلك في
الروم ، ولم يكن يعرف قبله ، وكانت ملوك
الروم قبل
نقفور تحلق لحاها ، وكذلك ملك
الفرس ، فلم يفعله
نقفور . وكانت ملوك
الروم قبله تكتب : من فلان ملك النصرانية ، فكتب
نقفور : من فلان ملك
الروم ، وقال : لست ملك النصرانية كلها .
وكانت
الروم تسمي العرب سارقيوس ، يعني عبيد
سارة ، بسبب
هاجر أم
إسماعيل ، فنهاهم عن ذلك وجرى بين
نقفور وبين
برجان حرب سنة ثلاث وتسعين ومائة فقتل فيها .
ثم ملك بعده ابنه
استبرق بعهد من أبيه إليه ، وكان ملكه شهرين .
ثم ملك بعده
ميخائيل بن جرجس ، وهو ابن عم
نقفور ، وقيل :
ابن استبرق ، وكان ملكه سنتين في أيام
الأمين ، وقيل : أكثر من ذلك ، فوثب به
اليون المعروف بالبطريق ، وغلب على الأمر وحبسه .
[ ص: 307 ] ثم ملك بعده
اليون البطريق سبع سنين وثلاثة أشهر ، فوثب به أصحاب
ميخائيل في خلاص صاحبهم ، وقتل
اليون ثم فتح لهم ذلك ، وعاد
ميخائيل إلى الملك .
وقيل : إنه كان قد ترهب أيام
اليون ، وكان ملكه هذه الدفعة الثانية تسع سنين ، وقيل أكثر من ذلك .
ثم ملك بعده ابنه
نوفيل بن ميخائيل أربع عشرة سنة ، وهو الذي فتح
زبطرة ، وسار
المعتصم بسبب ذلك وفتح
عمورية ، وكان موته أيام
الواثق .
ثم ملك بعده ابنه
ميخائيل ثمانيا وعشرين سنة ، وكانت أمه تدبر الملك معه ، وأراد قتلها فترهبت ، وخرج عليه رجل من أهل
عمورية من أبناء الملوك السالفة يعرف
بابن بقراط ، فلقيه
ميخائيل فيمن عنده من أسارى المسلمين ، فظفر به
ميخائيل فمثل به ، ثم خرج عليه
بسيل الصقلبي فاستولى على الملك ، وقتل
ميخائيل سنة ثلاث وخمسين ومائتين .
ثم ملك بعده
بسيل الصقلبي عشرين سنة أيام
المعتز والمهتدي وصدرا من أيام
المعتمد ، وكانت أمه صقلبية فنسب إليها .
وقد خلط "
حمزة الأصفهاني " فيه فقال عند ذكر
ميخائيل : ثم انتقل الملك عند
الروم وصار في الصقلب ، فقتله
بسيل الصقلبي ظنا منه أن أباه كان صقلبيا .
[ ص: 308 ] ثم ملك بعده ابنه
اليون بن بسيل ستا وعشرين سنة أيام
المعتمد والمعتضد والمكتفي وصدرا من أيام
المقتدر ، وقيل : إن وفاته كانت سنة سبع وتسعين ومائتين .
ثم ملك أخوه
الإكسندروس سنة وشهرين ، ومات
بالدبيلة ، وقيل : إنه اغتيل لسوء سيرته .
ثم ملك بعده
قسطنطين بن اليون ، وهو صبي ، وتولى له الأمر
بطريق البحر ، واسمه ارمانوس ، وشرط على نفسه شروطا ، منها : أنه لا يطلب الملك ولا يلبس التاج لا هو ولا أحد من أولاده ، فلم يمض غير سنتين حتى خوطب هو وأولاده بالملوك ، وجلس مع
قسطنطين على السرير ، وكان له ثلاثة من الولد ، فخصى أحدهم وجعله بطرقا ليأمن من المنازعة ، فإن البطرق يحكم على الملك ، فبقي على حاله إلى سنة ثلاثين وثلاثمائة
[ ص: 309 ] من الهجرة ، فاتفق ابناه مع
قسطنطين على إزالة أبيهما ، فدخلا عليه وقبضاه ، وسيراه إلى دير له في جزيرة بالقرب من
القسطنطينية نحو أربعين يوما وأرادا الفتك به ، فسبقهما إلى ذلك وقبض عليهما وسيرهما إلى جزيرتين في البحر ، فوثب أحدهما بالموكل به فقتله ، وأخذه أهل تلك الجزيرة فقتلوه وأرسلوا رأسه إلى
قسطنطين الملك ، فجزع لقتله .
وأما
ارمانوس فقد مات بعد أربع سنين من ترهبه . ودام ملك
قسطنطين بقية أيام
المقتدر والقاهر والراضي والمستكفي وبعض أيام
المطيع ، ثم خرج على
قسطنطين هذا
قسطنطين بن أندرونقس ، وكان أبوه قد توجه إلى
المكتفي سنة أربع وتسعين ومائتين وأسلم على يده وتوفي . فهرب ابنه هذا على طريق
أرمينية وأذربيجان إلى بلاد
الروم ، فاجتمع عليه خلق كثير وكثر أتباعه ، فسار إلى
القسطنطينية ونازع الملك
قسطنطين في ملكه ، وذلك سنة إحدى وثلاثمائة ، فظفر به الملك فقتله .
وخرج عن طاعته أيضا صاحب
رومية ، وهي كرسي ملك الإفرنج ، وتسمى بالملك ، ولبس ثياب الملوك . وكانوا قبل ذلك يطيعون ملوك
الروم أصحاب
القسطنطينية ويصدرون عن أمرهم ، فلما كان سنة أربعين وثلاثمائة قوي ملك
رومية ، فخرج عن طاعته ، فأرسل إليه
قسطنطين العساكر يقاتلونه ومن معه من الفرنج ، فالتقوا واقتتلوا ، فانهزمت
الروم وعادت إلى
القسطنطينية منكوبة فكف حينئذ
قسطنطين عن معارضته ورضي بالمسالمة وجرى بينهما مصاهرة ، فزوج
قسطنطين ابنه
أرمانوس بابنة ملك
رومية .
ولم يزل أمر الإفرنج بعد هذا يقوى ويزداد ويتسع ملكهم كالاستيلاء على بلاد
الأندلس ، على ما نذكره وكأخذهم
جزيرة صقلية وبلاد ساحل
الشام والبيت المقدس ، على ما نذكره ، وفي آخر الأمر ملكوا
القسطنطينية سنة إحدى وستمائة ، على ما نذكره إن شاء الله .
ومما ينبغي أن يلحق بهذا أن الطوائف من
الترك اجتمعت ، منهم
البجناك والبختي وغيرهما ، وقصدوا مدينة
للروم قديمة تسمى
وليدر سنة اثنتين وعشرين
[ ص: 310 ] وثلاثمائة وحصروها ، فبلغ خبرهم إلى
أرميانوس ، فسير إليهم عسكرا كثيفا فيهم من المتنصرة اثنا عشر ألفا ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم
الروم ، واستولى
الترك على المدينة وخربوها بعد أن أكثروا القتل فيها والسبي والنهب ، ثم ساروا إلى
القسطنطينية وحصروها أربعين يوما ، وأغاروا على بلاد
الروم واتصلت غاراتهم إلى بلاد الإفرنج ، ثم عادوا راجعين .