فصل
وأما
نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور ، وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك ، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا ، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك . وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ، ثم صرح بتحريمه فقال : (
وحرم ذلك على المؤمنين ) [ النور : 3 ]
ولا يخفى أن دعوى نسخ الآية بقوله : (
وأنكحوا الأيامى منكم ) [ النور : 34 ] من أضعف ما يقال ، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى ، إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك ، وكلام الله ينبغي أن يصان عن مثل هذا .
وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها ، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان ، وهو العفة ، فقال : (
فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [ النساء : 25 ] فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها ، وليس هذا من باب دلالة المفهوم ، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم ، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع ، وما عداه فعلى أصل التحريم .
وأيضا فإنه سبحانه قال : (
الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات )
[ ص: 105 ] [ النور : 26 ] والخبيثات : الزواني . وهذا يقتضي أن من تزوج بهن فهو خبيث مثلهن .
وأيضا فمن أقبح القبائح أن يكون الرجل زوج بغي ، وقبح هذا مستقر في فطر الخلق ، وهو عندهم غاية المسبة .
وأيضا : فإن البغي لا يؤمن أن تفسد على الرجل فراشه ، وتعلق عليه أولادا من غيره ، والتحريم يثبت بدون هذا .
وأيضا : فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الرجل وبين المرأة التي وجدها حبلى من الزنى .
وأيضا فإن (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003216مرثد بن أبي مرثد الغنوي استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج عناق وكانت بغيا ، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النور ، وقال : لا تنكحها ) .