[ ص: 481 ]
فصل
وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم -
الإسراع بتجهيز الميت إلى الله ، وتطهيره وتنظيفه وتطييبه وتكفينه في الثياب البيض ، ثم يؤتى به إليه فيصلي عليه بعد أن كان يدعى إلى الميت عند احتضاره ، فيقيم عنده حتى يقضي ثم يحضر تجهيزه ، ثم يصلي عليه ، ويشيعه إلى قبره ، ثم رأى الصحابة أن ذلك يشق عليه ، فكانوا إذا قضى الميت دعوه فحضر تجهيزه وغسله وتكفينه . ثم رأوا أن ذلك يشق عليه فكانوا هم يجهزون ميتهم ويحملونه إليه - صلى الله عليه وسلم - على سريره فيصلي عليه خارج المسجد .
ولم يكن من هديه الراتب الصلاة عليه في المسجد ، وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد ، وربما كان يصلي أحيانا على الميت في المسجد كما (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000788صلى على nindex.php?page=showalam&ids=355سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد ) . ولكن لم يكن ذلك سنته وعادته ، وقد روى
أبو داود في " سننه " من حديث
صالح مولى التوأمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000789من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له ) ، وقد اختلف في لفظ الحديث ، فقال
الخطيب في روايته لكتاب السنن : في الأصل " فلا شيء عليه " ، وغيره يرويه ( فلا شيء له ) ، وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في " سننه " ولفظه : ( فليس له شيء ) ، ولكن قد ضعف
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره هذا
[ ص: 482 ] الحديث، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : هو مما تفرد به
صالح مولى التوأمة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هذا حديث يعد في أفراد
صالح ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أصح منه ،
وصالح مختلف في عدالته ، كان
مالك يجرحه ، ثم ذكر عن
أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنه صلي عليهما في المسجد .
قلت :
وصالح ثقة في نفسه ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14304عباس الدوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين : هو ثقة في نفسه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15974ابن أبي مريم ويحيى : ثقة حجة ، فقلت له: إن
مالكا تركه ، فقال : إن
مالكا أدركه بعد أن خرف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري إنما أدركه بعد أن خرف ، فسمع منه، لكن
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : هو ثقة إلا أنه خرف وكبر فسمع منه
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري بعد الخرف ، وسماع
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب منه قبل ذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : تغير في سنة خمس وعشرين ومائة ، وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات ، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز ، فاستحق الترك . انتهى كلامه .
وهذا الحديث حسن ، فإنه من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عنه ، وسماعه منه قديم قبل اختلاطه ، فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط . وقد سلك
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة مسلكا آخر ، فقال : صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على
nindex.php?page=showalam&ids=355سهيل بن بيضاء في المسجد منسوخة ، وترك ذلك آخر الفعلين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدليل إنكار عامة الصحابة ذلك على
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وما كانوا ليفعلوه إلا لما علموا خلاف ما نقلت . ورد ذلك على
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي جماعة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : ولو كان عند
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة نسخ ما روته
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ؛ لذكره يوم صلي على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق في المسجد ، ويوم صلي على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في المسجد ، ولذكره من أنكر على
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أمرها بإدخاله المسجد ؛ ولذكره
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة حين روت فيه الخبر ، وإنما أنكره من لم يكن له معرفة بالجواز . فلما روت فيه الخبر سكتوا ولم ينكروه ولا عارضوه بغيره .
قال
الخطابي : وقد ثبت أن
أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - صلي عليهما في
[ ص: 483 ] المسجد ، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما . وفي تركهم الإنكار الدليل على جوازه ، قال : ويحتمل أن يكون معنى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة إن ثبت متأولا على نقصان الأجر ، وذلك أن من صلى عليها في المسجد ، فالغالب أنه ينصرف إلى أهله ولا يشهد دفنه ، وأن من سعى إلى الجنازة فصلى عليها بحضرة المقابر شهد دفنه ، وأحرز أجر القيراطين ، وقد يؤجر أيضا على كثرة خطاه ، وصار الذي يصلي عليه في المسجد منقوص الأجر بالإضافة إلى من يصلي عليه خارج المسجد .
وتأولت طائفة معنى قوله : ( فلا شيء له ) أي فلا شيء عليه ؛ ليتحد معنى اللفظين ، ولا يتناقضان كما قال تعالى : (
وإن أسأتم فلها ) [ الإسراء : 7 ] ، أي : فعليها ، فهذه طرق الناس في هذين الحديثين .
والصواب ما ذكرناه أولا ، وأن سنته وهديه الصلاة على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر ، وكلا الأمرين جائز ، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد . والله أعلم