وأما من جعله تطليقا منجزا ، فقد تقدم وجه قوله وضعفه .
وأما من جعله لغوا ، فلهم مأخذان ، أحدهما : أن الطلاق لم يجعله الله بيد النساء ، إنما جعله بيد الرجال ، ولا يتغير شرع الله باختيار العبد ، فليس له أن يختار نقل الطلاق إلى من لم يجعل الله إليه الطلاق البتة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر بن عياش ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت ( أن رجلا
قال لامرأة له إن أدخلت هذا العدل إلى هذا البيت فأمر صاحبتك بيدك ، فأدخلته ، ثم قالت هي طالق ، فرفع ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبانها منه ، فمروا
nindex.php?page=showalam&ids=10بعبد الله بن مسعود فأخبروه ، فذهب بهم إلى
عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله تبارك وتعالى جعل الرجال قوامين على النساء ، ولم يجعل النساء قوامات على الرجال ، فقال له
عمر فما ترى ؟ قال : أراها امرأته . قال : وأنا أرى ذلك ، فجعلها واحدة )
قلت : يحتمل أنه جعلها واحدة بقول الزوج ، فأمر صاحبتك بيدك ، ويكون كناية في الطلاق ، ويحتمل أنه جعلها واحدة بقول ضرتها : هي طالق ولم يجعل
[ ص: 267 ] للضرة إبانتها لئلا تكون هي القوامة على الزوج ، فليس في هذا دليل لما ذهبت إليه هذه الفرقة بل هو حجة عليها .
وقال
أبو عبيد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16387عبد الغفار بن داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب ( أن
رميثة الفارسية كانت تحت
محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، فملكها أمرها ، فقالت : أنت طالق ثلاث مرات ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان : أخطأت ، لا طلاق لها ، لأن المرأة لا تطلق )
وهذا أيضا لا يدل لهذه الفرقة ؛ لأنه إنما لم يوقع الطلاق ، لأنها أضافته إلى غير محله وهو الزوج ، وهو لم يقل أنا منك طالق ، وهذا نظير ما رواه
عبد الرزاق ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخبرني
أبو الزبير أن
مجاهدا أخبره أن ( رجلا جاء إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما فقال :
ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : خطأ الله نوأها ، إنما الطلاق لك عليها ، وليس لها عليك )
قال
الأثرم : ( سألت
أبا عبد الله عن الرجل يقول لامرأته : أمرك بيدك ؟ فقال : قال
عثمان وعلي رضي الله عنهما : القضاء ما قضت ، قلت : فإن قالت قد طلقت نفسي ثلاثا ، قال القضاء ما قضت . قلت : فإن قالت طلقتك ثلاثا ، قال : المرأة لا تطلق ) واحتج بحديث (
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : خطأ الله نوأها )
( ورواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
شعبة ، عن
الحكم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته في يدها ، فقالت : قد طلقتك ثلاثا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : خطأ الله نوأها ، أفلا طلقت نفسها ) قال
أحمد : صحف
أبو مطر فقال : " خطأ الله فوها " ولكن روى
عبد الرزاق ، عن (
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16446عبد الله بن طاووس ، كيف كان أبوك يقول في رجل ملك امرأته أمرها ، أتملك أن تطلق
[ ص: 268 ] نفسها أم لا ؟ قال كان يقول : ليس إلى النساء طلاق ، فقلت له فكيف كان أبوك يقول في رجل ملك رجلا أمر امرأته أيملك الرجل أن يطلقها؟ قال : لا )
فهذا صريح من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس ، أنه لا يطلق إلا الزوج ، وأن تمليك الزوجة أمرها لغو ، وكذلك توكيله غيره في الطلاق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد ابن حزم : وهذا قول
أبي سليمان وجميع أصحابنا .
الحجة الثانية لهؤلاء : أن الله سبحانه إنما جعل
أمر الطلاق إلى الزوج دون النساء ؛ لأنهن ناقصات عقل ودين ، والغالب عليهن السفه ، وتذهب بهن الشهوة والميل إلى الرجال كل مذهب ، فلو جعل أمر الطلاق إليهن لم يستقم للرجال معهن أمر ، وكان في ذلك ضرر عظيم بأزواجهن ، فاقتضت حكمته ورحمته أنه لم يجعل بأيديهن شيئا من أمر الفراق ، وجعله إلى الأزواج .
فلو جاز للأزواج نقل ذلك إليهن ، لناقض حكمة الله ورحمته ونظره للأزواج . قالوا : والحديث إنما دل على التخيير فقط ، فإن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، كما وقع ، كن أزواجه بحالهن ، وإن اخترن أنفسهن ، متعهن وطلقهن هو بنفسه ، وهو السراح الجميل ، لا أن اختيارهن لأنفسهن يكون هو نفس الطلاق ، وهذا في غاية الظهور كما ترى .
قال هؤلاء : والآثار عن الصحابة في ذلك مختلفة اختلافا شديدا ، فصح عن
عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، في رجل جعل أمر امرأته بيدها ، فطلقت نفسها ثلاثا ، أنها طلقة واحدة رجعية ، وصح عن (
عثمان رضي الله عنه ، أن القضاء ما قضت ) ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وغيره عن
ابن الزبير . وصح عن (
علي ،
وزيد ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة ، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية )
وصح عن بعض الصحابة أنها إن اختارت نفسها ، فثلاث بكل حال ، وروي عن (
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فيمن جعل أمر امرأته بيد آخر فطلقها ، فليس بشيء )
[ ص: 269 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد ابن حزم : وقد تقصينا من روينا عنه من الصحابة أنه يقع به الطلاق ، فلم يكونوا بين من صح عنه ، ومن لم يصح عنه إلا سبعة ، ثم اختلفوا ، وليس قول بعضهم أولى من قول بعض ، ولا أثر في شيء منها إلا ما رويناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16642نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12341لأيوب السختياني : هل علمت أحدا قال في " أمرك بيدك " : إنها ثلاث غير
الحسن ؟ قال : لا ، اللهم غفرا ، إلا ما حدثني به
قتادة ، عن
كثير مولى ابن سمرة ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث . قال
أيوب : فلقيت
كثيرا مولى ابن سمرة ، فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى
قتادة فأخبرته ، فقال نسي . قال
أبو محمد :
كثير مولى ابن سمرة مجهول ، ولو كان مشهورا بالثقة والحفظ لما خالفنا هذا الخبر وقد أوقفه بعض رواته على
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . انتهى .
( وقال
المروذي : سألت
أبا عبد الله ما تقول في امرأة خيرت فاختارت نفسها ؟ قال : قال فيها خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها واحدة ، ولها الرجعة ،
عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ) ، وذكر آخر ، قال غير
المروذي هو
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت .
قال
أبو محمد ومن
خير امرأته فاختارت نفسها أو اختارت الطلاق ، أو اختارت زوجها ، أو لم تختر شيئا ، فكل ذلك لا شيء ، وكل ذلك سواء ، ولا تطلق بذلك ، ولا تحرم عليه ، ولا لشيء من ذلك حكم ، ولو كرر التخيير وكررت هي اختيار نفسها ، أو اختيار الطلاق ألف مرة ، وكذلك إن ملكها نفسها ، أو جعل أمرها بيدها . ولا فرق .
ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذ لم يأت في القرآن ولا عن
[ ص: 270 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الرجل لامرأته أمرك بيدك ، أو قد ملكتك أمرك ، أو اختاري ، يوجب أن يكون طلاقا ، أو أن لها أن تطلق نفسها ، أو تختار طلاقا ، فلا يجوز أن يحرم على الرجل فرج أباحه الله تعالى له ورسوله صلى الله عليه وسلم بأقوال لم يوجبها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا في غاية البيان . انتهى كلامه .
قالوا : واضطراب أقوال الموقعين وتناقضها ومعارضة بعضها لبعض يدل على فساد أصلها ، ولو كان الأصل صحيحا لاطردت فروعه ، ولم تتناقض ، ولم تختلف ، ونحن نشير إلى طرف من اختلافهم .
فاختلفوا :
هل يقع الطلاق بمجرد التخيير أو لا يقع حتى تختار نفسها ؟ على قولين : تقدم حكايتهما ثم اختلف الذين لا يوقعونه بمجرد قوله أمرك بيدك : هل يختص اختيارها بالمجلس ، أو يكون في يدها ما لم يفسخ أو يطأ ؟ على قولين : أحدهما : أنه يتقيد بالمجلس ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
ومالك ، في إحدى الروايتين عنه . الثاني : أنه في يدها أبدا حتى يفسخ أو يطأ ، وهذا قول
أحمد ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور . والرواية الثانية عن
مالك . ثم قال بعض أصحابه : وذلك ما لم تطل حتى يتبين أنها تركته ، وذلك بأن يتعدى شهرين ، ثم اختلفوا ، هل عليها يمين ، أنها تركت أم لا ؟ على قولين .
ثم اختلفوا إذا رجع الزوج فيما جعل إليها ، فقال
أحمد ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
ومجاهد ،
وعطاء : له ذلك ، ويبطل خيارها . وقال
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري : ليس له الرجوع ، وللشافعية خلاف مبني على أنه توكيل ، فيملك الموكل الرجوع أو تمليك ، فلا يملكه ، قال بعض أصحاب التمليك : ولا يمتنع الرجوع . وإن قلنا إنه تمليك ؛ لأنه لم يتصل به القبول ، فجاز الرجوع فيه كالهبة والبيع .
واختلفوا : فيما يلزم من اختيارها نفسها . فقال
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : واحدة
[ ص: 271 ] رجعية ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، واختاره
أبو عبيد ،
وإسحاق . وعن
علي : واحدة بائنة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت : ثلاث ، وهو قول
الليث ، وقال
مالك : إن كانت مدخولا بها فثلاث ، وإن كانت غير مدخول بها قبل منه دعوى الواحدة .
واختلفوا :
هل يفتقر قوله : أمرك بيدك إلى نية أم لا ؟ فقال
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : يفتقر إلى نية ، وقال
مالك : لا يفتقر إلى نية ، واختلفوا : هل يفتقر وقوع الطلاق إلى
نية المرأة إذا قالت : اخترت نفسي ، أو فسخت نكاحك ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يفتقر وقوع الطلاق إلى نيتها ، إذا نوى الزوج . وقال
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : لا بد من نيتها إذا اختارت بالكناية ، ثم قال أصحاب
مالك : إن قالت اخترت نفسي ، أو قبلت نفسي ، لزم الطلاق ، ولو قالت لم أرده ، وإن قالت : قبلت أمري سئلت عما أرادت ؟ فإن أرادت الطلاق كان طلاقا ، وإن لم ترده لم يكن طلاقا . ثم قال مالك : إذا قال لها : أمرك بيدك ، وقال : قصدت طلقة واحدة ، فالقول قوله مع يمينه ، وإن لم تكن له نية فله أن يوقع ما شاء . وإذا قال : اختاري ، وقال : أردت واحدة ، فاختارت نفسها طلقت ثلاثا ولا يقبل قوله .
ثم هاهنا فروع كثيرة مضطربة غاية الاضطراب ، لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، والزوجة زوجته ، حتى يقوم دليل على زوال عصمته عنها .
قالوا : ولم يجعل الله إلى النساء شيئا من النكاح ، ولا من الطلاق ، وإنما جعل ذلك إلى الرجال ، وقد جعل الله سبحانه الرجال قوامين على النساء ، إن شاءوا أمسكوا ، وإن شاءوا طلقوا ، فلا يجوز للرجل أن يجعل المرأة قوامة عليه ، إن شاءت أمسكت ، وإن شاءت طلقت . قالوا : ولو أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء لم نتعد إجماعهم ، ولكن اختلفوا ، فطلبنا الحجة لأقوالهم من غيرها ، فلم نجد الحجة تقوم إلا على هذا القول . وإن
[ ص: 272 ] كان من روي عنه قد روي عنه خلافه أيضا ، وقد أبطل من ادعى الإجماع في ذلك ، فالنزاع ثابت بين الصحابة والتابعين ، كما حكيناه ، والحجة لا تقوم بالخلاف ، فهذا (
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان ، قد قالا : إن
تمليك الرجل لامرأته أمرها ليس بشيء ) (
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود يقول فيمن جعل أمر امرأته بيد آخر فطلقها : ليس بشيء ) (
وطاووس يقول فيمن ملك امرأته أمرها : ليس إلى النساء طلاق ، ويقول فيمن ملك رجلا أمر امرأته : أيملك الرجل أن يطلقها ؟ قال : لا )
قلت : أما المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس فصحيح صريح ، لا مطعن فيه ، سندا وصراحة . وأما المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فمختلف ، فنقل عنه موافقة علي وزيد في الوقوع ، كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : أن أمرك بيدك ، واختاري سواء ، في قول
علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وزيد ، ونقل عنه فيمن
قال لامرأته : أمر فلانة بيدك ، إن أدخلت هذا العدل البيت ففعلت ، أنها امرأته ، ولم يطلقها عليه .
وأما المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وعثمان ، فإنما هو فيما إذا أضافت المرأة الطلاق إلى الزوج ، وقالت : أنت طالق .
وأحمد ومالك يقولان ذلك مع قولهما بوقوع الطلاق ، إذا اختارت نفسها ، أو طلقت نفسها ، فلا يعرف عن أحد من الصحابة إلغاء التخيير والتمليك البتة ، إلا هذه الرواية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وقد روي عنه خلافها ، والثابت عن الصحابة اعتبار ذلك ، ووقوع الطلاق به ، وإن اختلفوا فيما تملك به المرأة كما تقدم ، والقول بأن ذلك لا أثر له لا يعرف عن أحد من الصحابة البتة ، وإنما وهم
أبو محمد في المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعثمان ، ولكن هذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس ، وقد نقل عن
عطاء ما يدل على ذلك ، فروى
عبد الرزاق عن (
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قلت
لعطاء : رجل قال لامرأته : أمرك بيدك بعد يوم أو يومين ، قال : ليس هذا بشيء . قلت : فأرسل إليها رجلا أن أمرها بيدها يوما أو ساعة ، قال : ما أدري ما هذا ؟ ما أظن هذا
[ ص: 273 ]
شيئا . قلت لعطاء : أملكت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة حفصة حين ملكها المنذر أمرها ، قال
عطاء : لا ، إنما عرضت عليها أتطلقها أم لا ، ولم تملكها أمرها )
ولولا هيبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدلنا عن هذا القول ، ولكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم القدوة وإن اختلفوا في حكم التخيير ، ففي ضمن اختلافهم اتفاقهم على اعتبار التخيير ، وعدم إلغائه ، ولا مفسدة في ذلك ، والمفسدة التي ذكرتموها في كون الطلاق بيد المرأة ، إنما تكون لو كان ذلك بيدها استقلالا ، فأما إذا كان الزوج هو المستقل بها ، فقد تكون المصلحة له في تفويضها إلى المرأة ، ليصير حاله معها على بينة ، إن أحبته أقامت معه ، وإن كرهته فارقته ، فهذا مصلحة له ولها ، وليس في هذا ما يقتضي تغيير شرع الله وحكمته ، ولا فرق بين توكيل المرأة في طلاق نفسها ، وتوكيل الأجنبي ، ولا معنى لمنع توكيل الأجنبي في الطلاق ، كما يصح توكيله في النكاح والخلع .
وقد جعل الله سبحانه للحكمين النظر في حال الزوجين عند الشقاق ، إن رأيا التفريق فرقا ، وإن رأيا الجمع جمعا ، وهو طلاق أو فسخ من غير الزوج ، إما برضاه إن قيل هما وكيلان ، أو بغير رضاه إن قيل هما حكمان ، وقد جعل للحاكم أن يطلق على الزوج في مواضع بطريق النيابة عنه ، فإذا وكل الزوج من يطلق عنه ، أو يخالع ، لم يكن في هذا تغيير لحكم الله ، ولا مخالفة لدينه ، فإن الزوج هو الذي يطلق ، إما بنفسه ، أو بوكيله ، وقد يكون أتم نظرا للرجل من نفسه ، وأعلم بمصلحته ، فيفوض إليه ما هو أعلم بوجه المصلحة فيه منه ، وإذا جاز التوكيل في العتق والنكاح والخلع والإبراء وسائر الحقوق من المطالبة بها ، وإثباتها واستيفائها ، والمخاصمة فيها ، فما الذي حرم التوكيل في الطلاق ؟ نعم الوكيل يقوم مقام الموكل فيما يملكه من الطلاق وما لا يملكه ، وما يحل له منه وما يحرم عليه ، ففي
[ ص: 274 ] الحقيقة لم يطلق إلا الزوج إما بنفسه أو بوكيله .