فصل
والذين جعلوه أمرا وراء الإمساك اختلفوا فيه ، فقال
مالك في إحدى
[ ص: 303 ] الروايات الأربع عنه ،
وأبو عبيد :
هو العزم على الوطء ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى وأصحابه ، وأنكره
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وقال
مالك : يقول إذا أجمع لزمته الكفارة ، فكيف يكون هذا لو طلقها بعد ما يجمع ، أكان عليه كفارة إلا أن يكون يذهب إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس إذا تكلم بالظهار لزمه مثل الطلاق ؟
ثم اختلف أرباب هذا القول فيما لو مات أحدهما ، أو طلق بعد العزم ، وقبل الوطء ، هل تستقر عليه الكفارة ؟ فقال
مالك وأبو الخطاب : تستقر الكفارة . وقال القاضي وعامة أصحابه : لا تستقر ، وعن
مالك رواية ثانية ، أنه
العزم على الإمساك وحده ، ورواية " الموطأ " خلاف هذا كله ، أنه العزم على الإمساك والوطء معا .
وعنه رواية رابعة ، أنه الوطء نفسه ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأحمد . وقد قال
أحمد في قوله تعالى : (
ثم يعودون لما قالوا ) قال الغشيان : إذا أراد أن يغشى كفر ، وليس هذا باختلاف رواية ، بل مذهبه الذي لا يعرف عنه غيره أنه الوطء ، ويلزمه إخراجها قبله عند العزم عليه .
واحتج أرباب هذا القول بأن الله سبحانه قال في الكفارة : (
من قبل أن يتماسا ) فأوجب الكفارة بعد العود وقبل التماس ، وهذا صريح في أن
العود غير التماس ، وأن ما يحرم قبل الكفارة لا يجوز كونه متقدما عليها . قالوا : ولأنه قصد بالظهار تحريمها ، والعزم على وطئها ، عود فيما قصده . قالوا : ولأن الظهار تحريم ، فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التحريم فكان عائدا .
قال : الذين جعلوه الوطء : لا ريب أن العود فعل ضد قوله ، كما تقدم تقريره ، والعائد فيما نهي عنه وإليه ، وله : هو فاعله لا مريده كما قال تعالى : (
ثم يعودون لما نهوا عنه ) فهذا فعل المنهي عنه نفسه لا إرادته ، ولا يلزم أرباب هذا القول ما ألزمهم به أصحاب العزم ، فإن قولهم : إن العود يتقدم التكفير ، والوطء متأخر عنه ، فهم يقولون إن قوله تعالى : (
ثم يعودون لما قالوا ) أي يريدون العود كما قال تعالى : (
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) وكقوله تعالى : (
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) [ المائدة : 6 ] ونظائره مما يطلق الفعل فيه على إرادته
[ ص: 304 ] لوقوعه بها. قالوا : وهذا أولى من تفسير العود بنفس اللفظ الأول ، وبالإمساك نفسا واحدا بعد الظهار ، وبتكرار لفظ الظهار ، وبالعزم المجرد لو طلق بعده ، فإن هذه الأقوال كلها قد تبين ضعفها ، فأقرب الأقوال إلى دلالة اللفظ وقواعد الشريعة وأقوال المفسرين هو هذا . وبالله التوفيق .