فإن قيل : فإذا كان الماء عندكم لا يملك ، ولكل واحد أن يستقي منه حاجته ، فكيف أمكن اليهودي تحجره حتى اشترى
عثمان البئر وسبلها ، فإن قلتم : اشترى نفس البئر وكانت مملوكة ، ودخل الماء تبعا ، أشكل عليكم من وجه آخر وهو أنكم قررتم أنه يجوز للرجل دخول أرض غيره لأخذ الكلأ والماء ، وقضية بئر اليهودي تدل على أحد أمرين ولا بد ؛ إما ملك الماء بملك قراره ، وإما على أنه لا يجوز
دخول الأرض لأخذ ما فيها من المباح إلا بإذن مالكها .
قيل : هذا سؤال قوي ، وقد يتمسك به من ذهب إلى واحد من هذين المذهبين ، ومن منع الأمرين ، يجيب عنه بأن هذا كان في أول الإسلام ، وحين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وقبل تقرر الأحكام ، وكان
اليهود إذ ذاك لهم شوكة
بالمدينة ، ولم تكن أحكام الإسلام جارية عليهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم ، صالحهم ، وأقرهم على ما بأيديهم ، ولم يتعرض له ، ثم استقرت الأحكام ،
[ ص: 715 ] وزالت شوكة
اليهود لعنهم الله ، وجرت عليهم أحكام الشريعة ، وسياق قصة هذه البئر ظاهر في أنها كانت حين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة في أول الأمر .