فصل
ثم
رجع إلى منى ، واختلف أين صلى الظهر يومئذ ففي " الصحيحين " : عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أنه صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001308أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى ) .
وفي " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " : عن
جابر أنه صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001309صلى الظهر بمكة ) وكذلك قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . واختلف في ترجيح أحد هذين القولين على الآخر فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن [ ص: 259 ] حزم : قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وجابر أولى ، وتبعه على هذا جماعة ، ورجحوا هذا القول بوجوه .
أحدها : أنه رواية اثنين ، وهما أولى من الواحد .
الثاني : أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أخص الناس به صلى الله عليه وسلم ، ولها من القرب والاختصاص به والمزية ما ليس لغيرها .
الثالث : أن سياق
جابر لحجة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها أتم سياق ، وقد حفظ القصة وضبطها ، حتى ضبط جزئياتها حتى ضبط منها أمرا لا يتعلق بالمناسك ، وهو نزول النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمع في الطريق ، فقضى حاجته عند الشعب ، ثم توضأ وضوءا خفيفا ، فمن ضبط هذا القدر فهو بضبط مكان صلاته يوم النحر أولى .
الرابع : أن حجة الوداع كانت في آذار ، وهو تساوي الليل والنهار ، وقد دفع من
مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى
منى ، وخطب بها الناس ، ونحر بدنا عظيمة وقسمها ، وطبخ له من لحمها ، وأكل منه ، ورمى الجمرة ، وحلق رأسه ، وتطيب ، ثم أفاض ، فطاف وشرب من ماء زمزم ، ومن نبيذ السقاية ، ووقف عليهم وهم يسقون ، وهذه أعمال تبدو في الأظهر أنها لا تنقضي في مقدار يمكن معه الرجوع إلى
منى ، بحيث يدرك وقت الظهر في فصل آذار .
الخامس : أن هذين الحديثين جاريان مجرى الناقل والمبقي ، فقد كانت عادته صلى الله عليه وسلم في حجته الصلاة في منزله الذي هو نازل فيه بالمسلمين ، فجرى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على العادة ، وضبط
جابر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله عنهما الأمر الذي هو خارج عن عادته ، فهو أولى بأن يكون هو المحفوظ . ورجحت طائفة أخرى قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر لوجوه .
أحدها : أنه لو صلى الظهر
بمكة ، لم تصل الصحابة
بمنى وحدانا
[ ص: 260 ] وزرافات ، بل لم يكن لهم بد من الصلاة خلف إمام يكون نائبا عنه ، ولم ينقل هذا أحد قط ، ولا يقول أحد : إنه استناب من يصلي بهم ، ولولا علمه أنه يرجع إليهم فيصلي بهم . لقال : إن حضرت الصلاة ولست عندكم ، فليصل بكم فلان ، وحيث لم يقع هذا ولا هذا ، ولا صلى الصحابة هناك وحدانا قطعا ، ولا كان من عادتهم إذا اجتمعوا أن يصلوا عزين ، علم أنهم صلوا معه على عادتهم .
الثاني : أنه لو صلى
بمكة ، لكان خلفه بعض أهل البلد وهم مقيمون ، وكان يأمرهم أن يتموا صلاتهم ، ولم ينقل أنهم قاموا فأتموا بعد سلامه صلاتهم ، وحيث لم ينقل هذا ولا هذا ، بل هو معلوم الانتفاء قطعا ، علم أنه لم يصل حينئذ
بمكة . وما ينقله بعض من لا علم عنده أنه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001310يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ) فإنما قاله عام الفتح ، لا في حجته .
الثالث : أنه من المعلوم أنه لما طاف ، ركع ركعتي الطواف ، ومعلوم أن كثيرا من المسلمين كانوا خلفه يقتدون به في أفعاله ومناسكه ، فلعله لما ركع ركعتي الطواف ، والناس خلفه يقتدون به ، ظن الظان أنها صلاة الظهر ، ولا سيما إذا كان ذلك في وقت الظهر ، وهذا الوهم لا يمكن رفع احتماله بخلاف صلاته
بمنى ، فإنها لا تحتمل غير الفرض .
الرابع : أنه لا يحفظ عنه في حجه أنه صلى الفرض بجوف
مكة ، بل إنما كان يصلي بمنزله بالأبطح بالمسلمين مدة مقامه كان يصلي بهم أين نزلوا لا يصلي في مكان آخر غير المنزل العام .
الخامس : أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر متفق عليه ، وحديث
جابر من أفراد
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أصح منه ، وكذلك هو في إسناده فإن رواته أحفظ وأشهر وأتقن ، فأين يقع
nindex.php?page=showalam&ids=15667حاتم بن إسماعيل من
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر العمري ، وأين يقع حفظ
جعفر من حفظ
نافع ؟
السادس : أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قد اضطرب في وقت طوافه ، فروي عنها على
[ ص: 261 ] ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه طاف نهارا ، الثاني : أنه أخر الطواف إلى الليل ، الثالث : أنه أفاض من آخر يومه فلم يضبط فيه وقت الإفاضة ، ولا مكان الصلاة بخلاف حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
السابع : أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أصح منه بلا نزاع ، فإن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من رواية
محمد بن إسحاق عن
عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عنها ،
وابن إسحاق مختلف في الاحتجاج به ، ولم يصرح بالسماع بل عنعنه ، فكيف يقدم على قول
عبيد الله : حدثني
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
الثامن : أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ليس بالبين أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر
بمكة ، فإن لفظه هكذا : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ، ثم رجع إلى
منى ، فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات . فأين دلالة هذا الحديث الصريحة على أنه صلى الظهر يومئذ
بمكة ، وأين هذا في صريح الدلالة إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أفاض يوم النحر ثم صلى الظهر
بمنى ، يعني راجعا ، وأين حديث اتفق أصحاب الصحيح على إخراجه إلى حديث اختلف في الاحتجاج به . والله أعلم .