فصل
في
هديه في الأرض المغنومة
ثبت عنه أنه قسم أرض
بني قريظة وبني النضير وخيبر بين الغانمين ، وأما
المدينة ، ففتحت بالقرآن ، وأسلم عليها أهلها ، فأقرت بحالها . وأما
مكة ، ففتحها عنوة ، ولم يقسمها ، فأشكل على كل طائفة من العلماء الجمع بين فتحها عنوة ، وترك قسمتها ، فقالت طائفة : لأنها دار المناسك ، وهي وقف على المسلمين كلهم ، وهم فيها سواء ، فلا يمكن قسمتها ، ثم من هؤلاء من منع بيعها وإجارتها ، ومنهم من جوز بيع رباعها ، ومنع إجارتها ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لما لم يجمع بين العنوة ، وبين عدم القسمة ، قال : إنها فتحت صلحا ، فلذلك لم تقسم . قال : ولو فتحت عنوة ، لكانت غنيمة ، فيجب قسمتها كما تجب قسمة الحيوان والمنقول ، ولم ير بأسا من
بيع رباع مكة ، وإجارتها ، واحتج بأنها ملك لأربابها تورث عنهم وتوهب ، وقد أضافها الله سبحانه إليهم إضافة الملك إلى مالكه ، واشترى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب دارا من
nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001886وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم : أين تنزل غدا في دارك بمكة ؟ فقال : وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور ) وكان
عقيل ورث
أبا طالب ، فلما كان أصل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن الأرض من الغنائم ، وأن الغنائم تجب
[ ص: 107 ] قسمتها ، وأن
مكة تملك وتباع ، ورباعها ودورها لم تقسم لم يجد بدا من القول بأنها فتحت صلحا .
لكن من تأمل الأحاديث الصحيحة ، وجدها كلها دالة على قول الجمهور ، أنها فتحت عنوة . ثم اختلفوا لأي شيء لم يقسمها ؟ فقالت طائفة : لأنها دار النسك ومحل العبادة ، فهي وقف من الله على عباده المسلمين . وقالت طائفة : الإمام مخير في الأرض بين قسمتها وبين وقفها ، والنبي صلى الله عليه وسلم قسم
خيبر ، ولم يقسم
مكة ، فدل على جواز الأمرين . قالوا : والأرض لا تدخل في الغنائم المأمور بقسمتها ، بل الغنائم هي الحيوان والمنقول ، لأن الله تعالى لم يحل الغنائم لأمة غير هذه الأمة ، وأحل لهم ديار الكفر وأرضهم كما قال تعالى : (
وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم ) إلى قوله : (
ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) [ المائدة : 20 ، 21 ] ، وقال في ديار
فرعون وقومه وأرضهم : (
كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 59 ] ، فعلم أن
الأرض لا تدخل في الغنائم ، والإمام مخير فيها بحسب المصلحة ، وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك ،
وعمر لم يقسم ، بل أقرها على حالها وضرب عليها خراجا مستمرا في رقبتها يكون للمقاتلة ، فهذا معنى وقفها ، ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في الرقبة ، بل يجوز بيع هذه الأرض كما هو عمل الأمة ، وقد أجمعوا على أنها تورث ، والوقف لا يورث ، وقد نص
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - على أنها يجوز أن تجعل صداقا ، والوقف لا يجوز أن يكون مهرا في النكاح ، ولأن الوقف إنما امتنع بيعه ونقل الملك في رقبته لما في ذلك من إبطال حق البطون الموقوف عليهم من منفعته ، والمقاتلة حقهم في خراج الأرض ، فمن اشتراها صارت عنده خراجية ، كما كانت عند البائع سواء ، فلا يبطل حق أحد من المسلمين بهذا البيع ، كما لم يبطل بالميراث والهبة والصداق ، ونظير هذا
بيع رقبة المكاتب ، وقد انعقد فيه سبب الحرية بالكتابة ، فإنه ينتقل إلى المشتري مكاتبا كما كان عند البائع ، ولا يبطل ما انعقد في حقه من سبب العتق ببيعه ، والله أعلم .
[ ص: 108 ] ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم نصف أرض
خيبر خاصة ، ولو كان حكمها حكم الغنيمة ، لقسمها كلها بعد الخمس ، ففي " السنن " و " المستدرك " : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001887أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكان ل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين النصف من ذلك ، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس ) هذا لفظ
أبي داود ، وفي لفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16001888عزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما ، وهو الشطر لنوائبه ، وما ينزل به من أمر المسلمين ، وكان ذلك الوطيح والكتيبة ، والسلالم وتوابعها . وفي لفظ له أيضا : (
عزل نصفها لنوائبه وما نزل به : الوطيحة والكتيبة ، وما أحيز معهما ، وعزل النصف الآخر ، فقسمه بين المسلمين : الشق والنطاة ، وما أحيز معهما ، وكان سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أحيز معهما ) .