فصل
وباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترى ، وكان شراؤه بعد أن أكرمه الله تعالى برسالته أكثر من بيعه ، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره ، كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد ، وبيعه
يعقوب المدبر غلام أبي مذكور ، وبيعه عبدا أسود بعبدين .
وأما شراؤه فكثير ، وآجر واستأجر ، واستئجاره أكثر من إيجاره ، وإنما يحفظ عنه أنه أجر نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم (
وأجر نفسه من nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة في سفره بمالها إلى الشام )
وإن كان العقد مضاربة ، فالمضارب أمين ، وأجير ، ووكيل ، وشريك ،
[ ص: 155 ] فأمين إذا قبض المال ، ووكيل إذا تصرف فيه ، وأجير فيما يباشره بنفسه من العمل ، وشريك إذا ظهر فيه الربح .
وقد أخرج
الحاكم في "مستدركه" من حديث
الربيع بن بدر ، عن
أبي الزبير ، عن
جابر قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000116آجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه من nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جرش كل سفرة بقلوص ) وقال صحيح الإسناد .
قال في "النهاية" :
جرش بضم الجيم وفتح الراء من مخاليف
اليمن ، وهو بفتحهما بلد
بالشام .
قلت : إن صح الحديث ، فإنما هو المفتوح الذي
بالشام ، ولا يصح ، فإن
الربيع بن بدر هذا هو عليلة ، ضعفه أئمة الحديث . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
والأزدي : متروك ، وكأن
الحاكم ظنه
الربيع بن بدر مولى طلحة بن عبيد الله .
وشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما قدم عليه شريكه ، قال : أما تعرفني ؟ قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000117أما كنت شريكي ؟ فنعم الشريك كنت لا تداري ولا تماري " .
وتدارئ بالهمزة من المدارأة ، وهي مدافعة الحق ، فإن ترك همزها ، صارت من المداراة ، وهي المدافعة بالتي هي أحسن .
ووكل وتوكل ، وكان توكيله أكثر من توكله .
وأهدى ، وقبل الهدية ، وأثاب عليها ، ووهب واتهب ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=119لسلمة بن [ ص: 156 ] الأكوع ، وقد وقع في سهمه جارية : "هبها لي" فوهبها له ، ففادى بها من
أهل مكة أسارى من المسلمين.
واستدان برهن ، وبغير رهن ، واستعار ، واشترى بالثمن الحال والمؤجل .
وضمن ضمانا خاصا على ربه على أعمال من عملها كان مضمونا له بالجنة ، وضمانا عاما لديون من توفي من المسلمين ولم يدع وفاء أنها عليه وهو يوفيها ، وقد قيل : إن هذا الحكم عام للأئمة بعده ، فالسلطان ضامن لديون المسلمين إذا لم يخلفوا وفاء ، فإنها عليه يوفيها من بيت المال ، وقالوا : كما يرثه إذا مات ولم يدع وارثا فكذلك يقضي عنه دينه إذا مات ولم يدع وفاء ، وكذلك ينفق عليه في حياته إذا لم يكن له من ينفق عليه .
ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا كانت له جعلها صدقة في سبيل الله ، وتشفع وشفع إليه ، وردت
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة شفاعته في مراجعتها
مغيثا ، فلم يغضب عليها ، ولا عتب ، وهو الأسوة والقدوة ، وحلف في أكثر من ثمانين موضعا ، وأمره الله سبحانه بالحلف في ثلاثة مواضع ، فقال :
[ ص: 157 ] تعالى : (
ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق ) [ يونس : 53 ] وقال تعالى : (
وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ) [ سبأ : 3 ] وقال تعالى : (
زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) [ التغابن : 7 ] وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاكر
nindex.php?page=showalam&ids=16954أبا بكر محمد بن داود الظاهري ولا يسميه بالفقيه ، فتحاكم إليه يوما هو وخصم له ، فتوجهت اليمين على
أبي بكر بن داود فتهيأ للحلف ، فقال له
القاضي إسماعيل : أوتحلف ! ومثلك يحلف يا
أبا بكر ؟ فقال : وما يمنعني من الحلف وقد أمر الله تعالى نبيه بالحلف في ثلاثة مواضع من كتابه ، قال أين ذلك ؟ فسردها له
أبو بكر ، فاستحسن ذلك منه جدا ودعاه بالفقيه من ذلك اليوم .
وكان صلى الله عليه وسلم يستثني في يمينه تارة ويكفرها تارة ويمضي فيها تارة ، والاستثناء يمنع عقد اليمين ، والكفارة تحلها بعد عقدها ، ولهذا سماها الله تحلة .
وكان يمازح ويقول في مزاحه الحق ، ويوري ولا يقول في توريته إلا الحق ، مثل أن يريد جهة يقصدها فيسأل عن غيرها كيف طريقها ؟ وكيف مياهها ومسلكها ؟ أو نحو ذلك . وكان يشير ويستشير . وكان يعود المريض ، ويشهد الجنازة ، ويجيب الدعوة ، ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم ، وسمع مديح الشعر وأثاب عليه ، ولكن ما قيل فيه من المديح فهو جزء يسير جدا من محامده ، وأثاب على الحق . وأما مدح غيره من الناس فأكثر ما يكون بالكذب فلذلك أمر أن يحثى في وجوه المداحين التراب