فصل
في بعض ما في قصة
الحديبية من الفوائد الفقهية
فمنها :
اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج ، فإنه خرج إليها في ذي القعدة .
ومنها : أن
الإحرام بالعمرة من الميقات أفضل ، كما أن الإحرام بالحج كذلك ، فإنه أحرم بهما من
ذي الحليفة ، وبينها وبين
المدينة ميل أو نحوه ، وأما حديث (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002029من أحرم بعمرة من بيت المقدس غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) وفي لفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002030كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ) فحديث لا يثبت ، وقد اضطرب فيه إسنادا ومتنا اضطرابا شديدا .
ومنها : أن
سوق الهدي مسنون في العمرة المفردة كما هو مسنون في القران .
ومنها : أن
إشعار الهدي سنة لا مثلة منهي عنها .
[ ص: 268 ] ومنها : استحباب
مغايظة أعداء الله ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في جملة هديه جملا
لأبي جهل في أنفه برة من فضة يغيظ به المشركين ، وقد قال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : (
ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) [ الفتح : 29 ] ، وقال عز وجل (
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) [ التوبة : 120 ] .
ومنها : أن أمير الجيش ينبغي له أن يبعث العيون أمامه نحو العدو .
ومنها : أن
الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة ؛ لأن
عينه الخزاعي كان كافرا إذ ذاك ، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم .
ومنها : استحباب
مشورة الإمام رعيته وجيشه استخراجا لوجه الرأي واستطابة لنفوسهم ، وأمنا لعتبهم وتعرفا لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض ، وامتثالا لأمر الرب في قوله تعالى : (
وشاورهم في الأمر ) [ آل عمران : 159 ] وقد مدح سبحانه وتعالى عباده بقوله : (
وأمرهم شورى بينهم ) [ الشورى : 38 ] .
ومنها : جواز
سبي ذراري المشركين إذا انفردوا عن رجالهم قبل مقاتلة الرجال .
ومنها : رد الكلام الباطل ، ولو نسب إلى غير مكلف ، فإنهم لما قالوا : خلأت القصواء . يعني حرنت وألحت فلم تسر ، والخلاء في الإبل بكسر الخاء والمد ، نظير الحران في الخيل ، فلما نسبوا إلى الناقة ما ليس من خلقها وطبعها رده عليهم ، وقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002031ما خلأت وما ذاك لها بخلق ) ثم أخبر صلى الله عليه وسلم عن سبب بروكها ، وأن الذي حبس الفيل عن
مكة حبسها للحكمة العظيمة التي ظهرت بسبب حبسها وما جرى بعده .
[ ص: 269 ] ومنها : أن
تسمية ما يلابسه الرجل من مراكبه ونحوها سنة .
ومنها :
جواز الحلف ، بل استحبابه على الخبر الديني الذي يريد تأكيده ، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعا ، وأمره الله تعالى بالحلف على تصديق ما أخبر به في ثلاثة مواضع : في ( سورة يونس ) و ( سبأ ) و ( التغابن ) .
ومنها : أن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى ، أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه ، وإن منعوا غيره فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى ، لا على كفرهم وبغيهم ، ويمنعون مما سوى ذلك ، فكل من التمس المعاونة على محبوب لله تعالى مرض له ، أجيب إلى ذلك كائنا من كان ، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه ، وهذا من أدق المواضع وأصعبها وأشقها على النفوس ، ولذلك ضاق عنه من الصحابة من ضاق ، وقال
عمر ما قال ، حتى عمل له أعمالا بعده ، والصديق تلقاه بالرضى والتسليم ، حتى كان قلبه فيه على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجاب
عمر عما سأل عنه من ذلك بعين جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك يدل على أن الصديق رضي الله عنه
أفضل الصحابة وأكملهم وأعرفهم بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعلمهم بدينه وأقومهم بمحابه وأشدهم موافقة له ، ولذلك لم يسأل
عمر عما عرض له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه خاصة دون سائر أصحابه .