فصل
ومنها :
كمال محبة الصديق له ، وقصده التقرب إليه والتحبب بكل ما يمكنه ، ولهذا ناشد
المغيرة أن يدعه هو يبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدوم وفد
الطائف ، ليكون هو الذي بشره وفرحه بذلك ، وهذا يدل على أنه يجوز للرجل أن يسأل أخاه أن يؤثره بقربة من القرب ، وأنه يجوز للرجل أن يؤثر بها أخاه ، وقول من قال من الفقهاء : لا يجوز
الإيثار بالقرب لا يصح .
وقد آثرت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب بدفنه في بيتها جوار النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسألها
عمر ذلك فلم تكره له السؤال ، ولا لها البذل ، وعلى هذا فإذا
سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه في الصف الأول ، لم يكره له السؤال ، ولا لذلك البذل ونظائره .
ومن تأمل سيرة الصحابة ، وجدهم غير كارهين لذلك ، ولا ممتنعين منه ، وهل هذا إلا كرم وسخاء ، وإيثار على النفس ، بما هو أعظم محبوباتها ، تفريحا لأخيه المسلم ، وتعظيما لقدره ، وإجابة له إلى ما سأله ، وترغيبا له في الخير ، وقد يكون ثواب كل واحد من هذه الخصال راجحا على ثواب تلك القربة ، فيكون المؤثر بها ممن تاجر فبذل قربة وأخذ أضعافها ، وعلى هذا فلا يمتنع أن يؤثر صاحب الماء بمائه أن يتوضأ به ويتيمم هو إذا كان لا بد من تيمم أحدهما ، فآثر أخاه وحاز فضيلة الإيثار وفضيلة الطهر بالتراب ، ولا يمنع هذا كتاب ولا سنة ، ولا مكارم أخلاق ، وعلى هذا ، فإذا اشتد العطش بجماعة وعاينوا التلف ، ومع بعضهم ماء ، فآثر على نفسه واستسلم للموت كان ذلك جائزا ، ولم يقل إنه قاتل لنفسه ، ولا أنه فعل محرما ، بل هذا غاية الجود والسخاء ، كما قال تعالى : (
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) [ الحشر : 9 ] ، وقد جرى هذا بعينه لجماعة من الصحابة في فتوح
الشام ، وعد ذلك من مناقبهم وفضائلهم ، وهل إهداء القرب المجمع عليها
[ ص: 443 ] والمتنازع فيها إلى الميت إلا إيثار بثوابها ، وهو عين الإيثار بالقرب ، فأي فرق بين أن يؤثره بفعلها ليحرز ثوابها ، وبين أن يعمل ثم يؤثره بثوابها ، وبالله التوفيق .