[ ص: 531 ] فصل
ففي هذه القصة : أن
الإيمان بالله هو مجموع هذه الخصال من القول والعمل ، كما على ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون ، وتابعوهم كلهم ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " المبسوط " ، وعلى ذلك ما يقارب مائة دليل من الكتاب والسنة .
وفيها : أنه لم يعد الحج في هذه الخصال ، وكان قدومهم في سنة تسع ، وهذا أحد ما يحتج به على أن الحج لم يكن فرض بعد ، وأنه إنما فرض في العاشرة ، ولو كان فرض لعده من الإيمان ، كما عد الصوم والصلاة والزكاة .
وفيها : أنه لا يكره أن يقال : رمضان للشهر خلافا لمن كره ذلك ، وقال : لا يقال : إلا شهر رمضان .
وفي " الصحيحين " : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002343من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
وفيها : وجوب أداء الخمس من الغنيمة ، وأنه من الإيمان .
وفيها : النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية ، وهل تحريمه باق أو منسوخ ؟ على قولين ، وهما روايتان عن
أحمد . والأكثرون على نسخه بحديث
بريدة الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وقال فيه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002344وكنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا فيما بدا لكم ، ولا تشربوا مسكرا ) . ومن قال : بإحكام أحاديث النهي ، وأنها غير منسوخة ، قال : هي أحاديث تكاد تبلغ التواتر في تعددها وكثرة طرقها ، وحديث الإباحة فرد ، فلا يبلغ مقاومتها ، وسر المسألة أن النهي عن الأوعية المذكورة من باب سد الذرائع ،
[ ص: 532 ] إذ الشراب يسرع إليه الإسكار فيها .
وقيل : بل النهي عنها لصلابتها ، وأن الشراب يسكر فيها ، ولا يعلم به بخلاف الظروف غير المزفتة ، فإن الشراب متى غلا فيها وأسكر انشقت ، فيعلم بأنه مسكر ، فعلى هذه العلة يكون الانتباذ في الحجارة والصفر أولى بالتحريم ، وعلى الأول لا يحرم ، إذ لا يسرع الإسكار إليه فيها كإسراعه في الأربعة المذكورة ، وعلى كلا العلتين ، فهو من باب سد الذريعة ، كالنهي أولا عن زيارة القبور سدا لذريعة الشرك ، فلما استقر التوحيد في نفوسهم ، وقوي عندهم أذن في زيارتها ، غير أن لا يقولوا هجرا .
وهكذا قد يقال في الانتباذ في هذه الأوعية إنه فطمهم عن المسكر وأوعيته ، وسد الذريعة إليه إذ كانوا حديثي عهد بشربه ، فلما استقر تحريمه عندهم ، واطمأنت إليه نفوسهم ، أباح لهم الأوعية كلها غير أن لا يشربوا مسكرا ، فهذا فقه المسألة وسرها .
وفيها :
مدح صفتي الحلم والأناة ، وأن الله يحبهما ، وضدهما الطيش والعجلة ، وهما خلقان مذمومان مفسدان للأخلاق والأعمال .
وفيه دليل على أن الله يحب من عبده ما جبله عليه من خصال الخير ، كالذكاء والشجاعة والحلم .
وفيه دليل على أن الخلق قد يحصل بالتخلق والتكلف ؛ لقوله في هذا الحديث : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002345خلقين تخلقت بهما ، أو جبلني الله عليهما ؟ " ، فقال : " بل جبلت عليهما ) .
وفيه دليل على
أنه سبحانه خالق أفعال العباد وأخلاقهم ، كما هو خالق ذواتهم وصفاتهم ، فالعبد كله مخلوق ذاته وصفاته وأفعاله ، ومن أخرج أفعاله عن خلق الله ، فقد جعل فيه خالقا مع الله ، ولهذا شبه السلف
القدرية النفاة
بالمجوس ، وقالوا : هم مجوس هذه الأمة ، صح ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
[ ص: 533 ] وفيه
إثبات الجبل لا الجبر لله تعالى ، وأنه يجبل عبده على ما يريد ، كما جبل
الأشج على الحلم والأناة ، وهما فعلان ناشئان عن خلقين في النفس ، فهو سبحانه الذي جبل العبد على أخلاقه وأفعاله ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وغيره من أئمة السلف : نقول (
إن الله جبل العباد على أعمالهم ، ولا نقول جبرهم عليها )
وهذا من كمال علم الأئمة ، ودقيق نظرهم ، فإن الجبر أن يحمل العبد على خلاف مراده ، كجبر البكر الصغيرة على النكاح ، وجبر الحاكم من عليه الحق على أدائه ، والله سبحانه أقدر من أن يجبر عبده بهذا المعنى ، ولكنه يجبله على أن يفعل ما يشاء الرب بإرادة عبده واختياره ومشيئته ، فهذا لون ، والجبر لون .
وفيها : أن الرجل لا يجوز له أن ينتفع بالضالة التي لا يجوز التقاطها كالإبل ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجوز
للجارود ركوب الإبل الضالة ، وقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002347ضالة المسلم حرق النار ) ، وذلك لأنه إنما أمر بتركها ، وأن لا يلتقطها حفظا على ربها حتى يجدها إذا طلبها ، فلو جوز له ركوبها والانتفاع بها ، لأفضى إلى أن لا يقدر عليها ربها ، وأيضا تطمع فيها النفوس وتتملكها ، فمنع الشارع من ذلك .