فصل
وفي ضمن هذه الأحاديث المتقدمة استحباب التداوي ، واستحباب الحجامة ، وأنها تكون في الموضع الذي يقتضيه الحال ، وجواز
احتجام المحرم ، وإن آل إلى قطع شيء من الشعر ، فإن ذلك جائز .
وفي وجوب الفدية عليه نظر ، ولا يقوى الوجوب ، وجواز
احتجام الصائم ، فإن في " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002526أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( احتجم وهو صائم ) . ولكن هل يفطر بذلك أم لا ؟ مسألة أخرى ، الصواب : الفطر بالحجامة ، لصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير معارض ،
[ ص: 57 ] وأصح ما يعارض به حديث حجامته وهو صائم ؛ ولكن لا يدل على عدم الفطر إلا بعد أربعة أمور . أحدها : أن الصوم كان فرضا . الثاني : أنه كان مقيما . الثالث : أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى الحجامة . الرابع : أن هذا الحديث متأخر عن قوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000916أفطر الحاجم والمحجوم ) .
فإذا ثبتت هذه المقدمات الأربع ، أمكن الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم على بقاء الصوم مع الحجامة ، وإلا فما المانع أن يكون الصوم نفلا يجوز الخروج منه بالحجامة وغيرها ، أو من رمضان لكنه في السفر ، أو من رمضان في الحضر ، لكن دعت الحاجة إليها كما تدعو حاجة من به مرض إلى الفطر ، أو يكون فرضا من رمضان في الحضر من غير حاجة إليها ، لكنه مبقى على الأصل . وقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000916أفطر الحاجم والمحجوم ) ناقل ومتأخر ، فيتعين المصير إليه ، ولا سبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات الأربع ، فكيف بإثباتها كلها .
وفيها دليل على
استئجار الطبيب وغيره من غير عقد إجارة ، بل يعطيه أجرة المثل أو ما يرضيه .
وفيها دليل على جواز
التكسب بصناعة الحجامة ، وإن كان لا يطيب للحر
[ ص: 58 ] أكل أجرته من غير تحريم عليه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أجره ولم يمنعه من أكله وتسميته إياه خبيثا كتسميته للثوم والبصل خبيثين ، ولم يلزم من ذلك تحريمهما .
وفيها دليل على جواز ضرب الرجل الخراج على عبده كل يوم شيئا معلوما بقدر طاقته ، وأن للعبد أن يتصرف فيما زاد على خراجه ، ولو منع من التصرف لكان كسبه كله خراجا ولم يكن لتقديره فائدة ، بل ما زاد على خراجه فهو تمليك من سيده له يتصرف فيه كما أراد ، والله أعلم .