فصل في
هديه صلى الله عليه وسلم في علاج عرق النسا
روى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في " سننه " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002540دواء عرق النسا ألية شاة أعرابية ، تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ، ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء ) .
[ ص: 66 ] عرق النساء : وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف على الفخذ ، وربما على الكعب وكلما طالت مدته زاد نزوله وتهزل معه الرجل والفخذ ، وهذا الحديث فيه معنى لغوي ، ومعنى طبي . فأما المعنى اللغوي : فدليل على جواز تسمية هذا المرض بعرق النسا خلافا لمن منع هذه التسمية ، وقال : النسا هو العرق نفسه فيكون من باب إضافة الشيء إلى نفسه وهو ممتنع ، وجواب هذا القائل من وجهين :
أحدهما : أن العرق أعم من النسا فهو من باب إضافة العام إلى الخاص ، نحو : كل الدراهم أو بعضها .
الثاني : أن النسا : هو المرض الحال بالعرق ، والإضافة فيه من باب إضافة الشيء إلى محله وموضعه . قيل : وسمي بذلك ؛ لأن ألمه ينسي ما سواه وهذا العرق ممتد من مفصل الورك وينتهي إلى آخر القدم وراء الكعب من الجانب الوحشي فيما بين عظم الساق والوتر .
وأما المعنى الطبي : فقد تقدم أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعان :
أحدهما : عام : بحسب الأزمان ، والأماكن ، والأشخاص ، والأحوال .
والثاني : خاص : بحسب هذه الأمور أو بعضها ، وهذا من هذا القسم فإن هذا خطاب للعرب ، وأهل الحجاز ومن جاورهم ولا سيما أعراب البوادي فإن هذا العلاج من أنفع العلاج لهم ، فإن هذا المرض يحدث من يبس ، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة ، فعلاجها بالإسهال والألية فيها الخاصيتان : الإنضاج ، والتليين ففيها الإنضاج والإخراج . وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين ، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها وصغر مقدارها ولطف جوهرها ، وخاصية مرعاها ؛ لأنها ترعى أعشاب البر الحارة كالشيح ، والقيصوم ، ونحوهما ، وهذه النباتات إذا تغذى بها الحيوان صار في لحمه من طبعها بعد أن يلطفها تغذيه بها ، ويكسبها مزاجا ألطف منها ، ولا سيما الألية ، وظهور فعل هذه النباتات في اللبن أقوى منه في اللحم ، ولكن الخاصية التي في الألية من الإنضاج
[ ص: 67 ] والتليين لا توجد في اللبن ، وهذا كما تقدم أن أدوية غالب الأمم والبوادي هي الأدوية المفردة ، وعليه أطباء الهند .
وأما الروم واليونان فيعتنون بالمركبة ، وهم متفقون كلهم على أن من مهارة الطبيب أن يداوي بالغذاء ، فإن عجز فبالمفرد ، فإن عجز فبما كان أقل تركيبا .
وقد تقدم أن غالب عادات العرب وأهل البوادي الأمراض البسيطة ، فالأدوية البسيطة تناسبها ، وهذا لبساطة أغذيتهم في الغالب . وأما الأمراض المركبة فغالبا ما تحدث عن تركيب الأغذية وتنوعها واختلافها ، فاختيرت لها الأدوية المركبة ، والله تعالى أعلم .