فصل في
هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المفئود
روى
أبو داود في " سننه " من حديث
مجاهد عن
سعد ، قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002567مرضت مرضا فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني ، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي ، وقال لي : " إنك رجل مفئود فأت الحارث بن كلدة من ثقيف ، فإنه رجل يتطبب ، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة ، فليجأهن بنواهن ، ثم ليلدك بهن " )
المفئود الذي أصيب فؤاده ، فهو يشتكيه ، كالمبطون الذي يشتكي بطنه .
[ ص: 89 ] واللدود : ما يسقاه الإنسان من أحد جانبي الفم .
وفي التمر خاصية عجيبة لهذا الداء ، ولا سيما
تمر المدينة ، ولا سيما العجوة منه . وفي كونها سبعا خاصية أخرى ، تدرك بالوحي ، وفي " الصحيحين " : من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002568من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية ، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ) .
وفي لفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002569من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي ) .
والتمر حار في الثانية ، يابس في الأولى . وقيل : رطب فيها . وقيل : معتدل ، وهو غذاء فاضل حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاد الغذاء به ،
كأهل المدينة وغيرهم ، وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة والحارة التي حرارتها في الدرجة الثانية ، وهو لهم أنفع منه لأهل البلاد الباردة ؛ لبرودة بواطن سكانها ، وحرارة بواطن سكان البلاد الباردة ؛ ولذلك يكثر
أهل الحجاز واليمن والطائف وما يليهم من البلاد المشابهة لها من الأغذية الحارة ما لا يتأتى لغيرهم ، كالتمر والعسل ، وشاهدناهم يضعون في أطعمتهم من الفلفل والزنجبيل فوق ما يضعه غيرهم نحو عشرة أضعاف أو أكثر ، ويأكلون الزنجبيل كما يأكل غيرهم الحلوى ، ولقد شاهدت من يتنقل به منهم كما يتنقل بالنقل ، ويوافقهم ذلك ولا يضرهم لبرودة أجوافهم ، وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد ، كما تشاهد مياه الآبار تبرد في الصيف ، وتسخن في الشتاء ، وكذلك تنضج المعدة من الأغذية الغليظة في الشتاء ما لا تنضجه في الصيف .
[ ص: 90 ] وأما
أهل المدينة فالتمر لهم يكاد أن يكون بمنزلة الحنطة لغيرهم ، وهو قوتهم ومادتهم ، وتمر العالية من أجود أصناف تمرهم ، فإنه متين الجسم ، لذيذ الطعم صادق الحلاوة ، والتمر يدخل في الأغذية والأدوية والفاكهة ، وهو يوافق أكثر الأبدان ، مقو للحار الغريزي ، ولا يتولد عنه من الفضلات الرديئة ما يتولد عن غيره من الأغذية والفاكهة ، بل يمنع لمن اعتاده من تعفن الأخلاط وفسادها .
وهذا الحديث من الخطاب الذي أريد به الخاص ،
كأهل المدينة ومن جاورهم ، ولا ريب أن للأمكنة اختصاصا بنفع كثير من الأدوية في ذلك المكان دون غيره ، فيكون الدواء الذي قد ينبت في هذا المكان نافعا من الداء ، ولا يوجد فيه ذلك النفع إذا نبت في مكان غيره لتأثير نفس التربة أو الهواء ، أو هما جميعا ، فإن للأرض خواصا وطبائع يقارب اختلافها اختلاف طبائع الإنسان ، وكثير من النبات يكون في بعض البلاد غذاء مأكولا ، وفي بعضها سما قاتلا ، ورب أدوية لقوم أغذية لآخرين ، وأدوية لقوم من أمراض هي أدوية لآخرين في أمراض سواها ، وأدوية لأهل بلد لا تناسب غيرهم ، ولا تنفعهم
وأما خاصية السبع فإنها قد وقعت قدرا وشرعا ، فخلق الله عز وجل السماوات سبعا ، والأرضين سبعا ، والأيام سبعا ، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار ، وشرع الله سبحانه لعباده الطواف سبعا ، والسعي بين الصفا والمروة سبعا ، ورمي الجمار سبعا سبعا ، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى .
وقال صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002570مروهم بالصلاة لسبع ) : (
" وإذا صار للغلام سبع سنين خير بين أبويه " ) في
[ ص: 91 ] رواية . وفي رواية أخرى : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002572أبوه أحق به من أمه " ، وفي ثالثة : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002573أمه أحق به ) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب ، وسخر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع
يوسف ، ومثل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا ، والسنين التي زرعوها دأبا سبعا ، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا .
فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره ، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه ، فإن العدد شفع ووتر . والشفع أول وثان . والوتر كذلك ، فهذه أربع مراتب : شفع أول وثان . ووتر أول وثان ، ولا تجتمع هذه المراتب في أقل من سبعة ، وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة ، أعني الشفع والوتر ،
[ ص: 92 ] والأوائل والثواني ، ونعني بالوتر الأول الثلاثة ، وبالثاني الخمسة ، وبالشفع الأول الاثنين ، وبالثاني الأربعة ، وللأطباء اعتناء عظيم بالسبعة ، ولا سيما في البحارين .
وقد قال
بقراط : كل شيء من هذا العالم فهو مقدر على سبعة أجزاء ، والنجوم سبعة ، والأيام سبعة ، وأسنان الناس سبعة ، أولها طفل إلى سبع ، ثم صبي إلى أربع عشرة ، ثم مراهق ثم شاب ثم كهل ثم شيخ ثم هرم إلى منتهى العمر ، والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد ، هل هو لهذا المعنى أو لغيره ؟
ونفع هذا العدد من هذا التمر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السم والسحر ، بحيث تمنع إصابته من الخواص التي لو قالها
بقراط وجالينوس وغيرهما من الأطباء ، لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والانقياد ، مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن ، فمن كلامه كله يقين وقطع وبرهان ، ووحي أولى أن تتلقى أقواله بالقبول والتسليم ، وترك الاعتراض .
وأدوية السموم تارة تكون بالكيفية ، وتارة تكون بالخاصية كخواص كثير من الأحجار والجواهر واليواقيت ، والله أعلم .