فصل ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا مما يحمى عنه العليل والناقه والصحيح ، إذا اشتدت الشهوة إليه ، ومالت إليه الطبيعة ، فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه ، لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع به ، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة ، فيصلحان ما يخشى من ضرره ، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة ، وتدفعه من الدواء ، ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم
صهيبا وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة ، وعلم أنها لا تضره ، ومن هذا ما يروى عن (
علي أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد ، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمر يأكله ، فقال : يا علي ! تشتهيه ؟ ورمى إليه بتمرة ، ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعا ، ثم قال : " حسبك يا علي " ) .
ومن هذا ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في " سننه " من حديث
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002582عاد رجلا ، فقال له : " ما تشتهي ؟ " فقال أشتهي خبز بر . وفي لفظ أشتهي كعكا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه " ثم قال : [ ص: 98 ] إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه ) .
ففي هذا الحديث سر طبي لطيف ، فإن
المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي ، وكان فيه ضرر ما ، كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه ، وإن كان نافعا في نفسه ، فإن صدق شهوته ومحبة الطبيعة يدفع ضرره ، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع قد يجلب لها منه ضررا .
وبالجملة : فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية فتهضمه على أحمد الوجوه ، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة ، وصحة القوة ، والله أعلم .