فصل في
هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السم الذي أصابه بخيبر من اليهود
ذكر
عبد الرزاق عن
معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002602أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر ، فقال : " ما هذه " ؟ قالت : هدية وحذرت أن تقول : من الصدقة ، فلا يأكل منها ، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل الصحابة ، ثم قال : " أمسكوا " ، ثم قال للمرأة : " هل سممت هذه الشاة " ؟ قالت : من أخبرك بهذا ؟ قال : " هذا العظم لساقها " وهو في يده ؟ قالت : نعم . قال : " لم " ؟ قالت : أردت إن كنت كاذبا أن يستريح منك الناس ، وإن كنت نبيا ، لم يضرك ، قال فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة على الكاهل ، وأمر أصحابه أن يحتجموا ، فاحتجموا ، فمات بعضهم ) .
[ ص: 112 ] وفي طريق أخرى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002603واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة ، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة ، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه ، فقال : "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر حتى كان هذا أوان انقطاع الأبهر مني " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة .
معالجة السم تكون بالاستفراغات ، وبالأدوية التي تعارض فعل السم وتبطله ، إما بكيفياتها وإما بخواصها ، فمن عدم الدواء فليبادر إلى الاستفراغ الكلي وأنفعه الحجامة ، ولا سيما إذا كان البلد حارا ، والزمان حارا ، فإن القوة
[ ص: 113 ] السمية تسري إلى الدم ، فتنبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب ، فيكون الهلاك ، فالدم هو المنفذ الموصل للسم إلى القلب والأعضاء ، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم خرجت معه تلك الكيفية السمية التي خالطته ، فإن كان استفراغا تاما لم يضره السم ، بل إما أن يذهب وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة ، فتبطل فعله أو تضعفه .
ولما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في الكاهل ، وهو أقرب المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب ، فخرجت المادة السمية مع الدم لا خروجا كليا ، بل بقي أثرها مع ضعفه لما يريد الله سبحانه من تكميل مراتب الفضل كلها له ، فلما أراد الله إكرامه بالشهادة ، ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السم ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، وظهر سر قوله تعالى لأعدائه من
اليهود : (
أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) [ البقرة : 87 ] فجاء بلفظ كذبتم بالماضي الذي قد وقع منه وتحقق ، وجاء بلفظ " تقتلون " بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه ، والله أعلم .