فصل
في تدبيره لأمر المسكن
لما علم - صلى الله عليه وسلم - أنه على ظهر سير ، وأن الدنيا مرحلة مسافر ينزل فيها مدة عمره ، ثم ينتقل عنها إلى الآخرة ، لم يكن من هديه وهدي أصحابه ، ومن تبعه
[ ص: 219 ] الاعتناء بالمساكن وتشييدها ، وتعليتها وزخرفتها وتوسيعها ، بل كانت من أحسن منازل المسافر تقي الحر والبرد ، وتستر عن العيون ، وتمنع من ولوج الدواب ، ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها ، ولا تعشش فيها الهوام لسعتها ، ولا تعتور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها ، وليست تحت الأرض فتؤذي ساكنها ، ولا في غاية الارتفاع عليها ، بل وسط ، وتلك أعدل المساكن وأنفعها ، وأقلها حرا وبردا ، ولا تضيق عن ساكنها فينحصر ، ولا تفضل عنه بغير منفعة ولا فائدة ، فتأوي الهوام في خلوها ، ولم يكن فيها كنف تؤذي ساكنها برائحتها ، بل رائحتها من أطيب الروائح ؛ لأنه كان يحب الطيب ، ولا يزال عنده ، وريحه هو من أطيب الرائحة ، وعرقه من أطيب الطيب ، ولم يكن في الدار كنيف تظهر رائحته ، ولا ريب أن هذه من أعدل المساكن وأنفعها وأوفقها للبدن ، وحفظ صحته .