فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين
كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى ، وهو المصلى الذي على باب
المدينة الشرقي ، وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج ، ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث ، وهو في سنن
أبي داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وهديه كان فعلهما في المصلى دائما .
وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين
[ ص: 426 ] والجمعة ، ومرة كان يلبس بردين أخضرين ، ومرة بردا أحمر وليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس ، فإنه لو كان كذلك لم يكن بردا ، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك .
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض النهي عن
لبس المعصفر والأحمر وأمر
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما ، فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه ، والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر أو كراهيته كراهية شديدة .
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات ، ويأكلهن وترا ، وأما
في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته .
وكان يغتسل للعيدين ، صح الحديث فيه ، وفيه حديثان ضعيفان : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15618جبارة بن مغلس ، وحديث
الفاكه بن سعد من رواية
يوسف بن خالد السمتي .
ولكن ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة ، أنه ( كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه ) .
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشيا ، والعنزة تحمل بين يديه ، فإذا وصل إلى المصلى نصبت بين يديه ليصلي إليها ، فإن المصلى كان إذ ذاك فضاء لم يكن فيه بناء ولا حائط ، وكانت الحربة سترته .
[ ص: 427 ] وكان
يؤخر صلاة عيد الفطر ، ويعجل الأضحى ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس ، ويكبر من بيته إلى المصلى .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول : الصلاة جامعة ، والسنة : أنه لا يفعل شيء من ذلك .
ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئا قبل الصلاة ولا بعدها .
وكان
يبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، فيصلي ركعتين ، يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح ، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ، ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ، ولكن ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال : يحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره
الخلال . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتم التكبير أخذ في القراءة ، فقرأ فاتحة الكتاب ، ثم قرأ بعدها (
ق والقرآن المجيد ) في إحدى الركعتين ، وفي الأخرى (
اقتربت الساعة وانشق القمر ) .
[ ص: 428 ] وربما قرأ فيهما (
سبح اسم ربك الأعلى ) و (
هل أتاك حديث الغاشية ) صح عنه هذا وهذا ، ولم يصح عنه غير ذلك .
فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ، ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمسا متوالية ، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة ، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين ، والقراءة يليها الركوع ، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه والى بين القراءتين ، فكبر أولا ، ثم قرأ وركع ، فلما قام في الثانية ، قرأ وجعل التكبير بعد القراءة ، ولكن لم يثبت هذا عنه فإنه من رواية
محمد بن معاوية النيسابوري . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : رماه غير واحد بالكذب .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث
كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000680كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة ، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث ، قال : ليس في الباب شيء أصح من هذا ، وبه أقول ، وقال : وحديث
عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا .
[ ص: 429 ] قلت : يريد حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة ، سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة ، ولم يصل قبلها ولا بعدها . قال
أحمد : وأنا أذهب إلى هذا . قلت :
وكثير بن عبد الله بن عمرو هذا ضرب
أحمد على حديثه في " المسند " وقال : لا يساوي حديثه شيئا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي تارة يصحح حديثه ، وتارة يحسنه ، وقد صرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بأنه أصح شيء في الباب مع حكمه بصحة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، وأخبر أنه يذهب إليه . والله أعلم
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة انصرف فقام مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم ، فيعظهم ويوصيهم ، ويأمرهم وينهاهم ، وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه ، أو يأمر بشيء أمر به . ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ، ولم يكن يخرج منبر المدينة ، وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض ، قال
جابر : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000681شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ، ووعظ الناس وذكرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن ) متفق عليه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول ما يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم . . . الحديث . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري : أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على راحلته مستقبل الناس وهم صفوف جلوس فيقول " تصدقوا " ، فأكثر من يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشيء . فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثا يذكره لهم ، وإلا انصرف .
وقد كان يقع لي أن هذا وهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يخرج إلى العيد
[ ص: 430 ] ماشيا ، والعنزة بين يديه ، وإنما خطب على راحلته يوم النحر بمنى إلى أن رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=15549بقي بن مخلد الحافظ قد ذكر هذا الحديث في " مسنده " عن
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16421عبد الله بن نمير ، حدثنا
داود بن قيس ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16736عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000682كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيد من يوم الفطر فيصلي بالناس تينك الركعتين ثم يسلم ، فيستقبل الناس ، فيقول : تصدقوا ) . وكان أكثر من يتصدق النساء وذكر الحديث .
ثم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13122أبو بكر بن خلاد ، حدثنا
أبو عامر ، حدثنا
داود ، عن
عياض ، عن
أبي سعيد : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000683كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في يوم الفطر فيصلي بالناس فيبدأ بالركعتين ، ثم يستقبلهم وهم جلوس ، فيقول : تصدقوا ) فذكر مثله وهذا إسناد
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه إلا أنه رواه عن
أبي كريب ، عن
أبي أسامة ، عن
داود . ولعله : ثم يقوم على رجليه ، كما قال
جابر : قام متوكئا على
بلال فتصحف على الكاتب : براحلته ، والله أعلم .
فإن قيل : فقد أخرجا في " الصحيحين " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000684شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان رضي الله عنهم ، فكلهم يصليها قبل الخطبة ، ثم يخطب ، قال : فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلال فقال : ( ياأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ) ) [ الممتحنة : 12 ] . فتلا الآية حتى فرغ منها ، الحديث .
[ ص: 431 ] وفي " الصحيحين " أيضا عن
جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=16000685أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة ، ثم خطب الناس بعد ، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن ، الحديث . وهو يدل على أنه كان يخطب على منبر ، أو على راحلته ، ولعله كان قد بني له منبر من لبن أو طين أو نحوه ؟ قيل : لا ريب في صحة هذين الحديثين ، ولا ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد ، وأول من أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم ، فأنكر عليه ، وأما منبر اللبن والطين فأول من بناه
كثير بن الصلت في إمارة
مروان على
المدينة ، كما هو في " الصحيحين " فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في المصلى على مكان مرتفع أو دكان وهي التي تسمى مصطبة ، ثم ينحدر منه إلى النساء فيقف عليهن فيخطبهن فيعظهن ويذكرهن . والله أعلم .
وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير ، وإنما روى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في " سننه " عن
سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة ، ويكثر التكبير في خطبتي العيدين . وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به .
وقد اختلف الناس في
افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء ، فقيل : يفتتحان بالتكبير ، وقيل : تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار ، وقيل : يفتتحان بالحمد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13027شيخ [ ص: 432 ] الإسلام ابن تيمية : وهو الصواب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000686كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم )
وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله .
ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة ، وأن يذهب ، ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة .
وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد ، فيذهب في طريق ، ويرجع في آخر ، فقيل : ليسلم على أهل الطريقين ، وقيل : لينال بركته الفريقان ، وقيل :
[ ص: 433 ] ليقضي حاجة من له حاجة منهما ، وقيل : ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق ، وقيل : ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره ، وقيل : لتكثر شهادة البقاع ، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة ، والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله ، وقيل : وهو الأصح : إنه لذلك كله ، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها .
وروي عنه أنه
كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000687الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد )