وأما النكاح : فقال هؤلاء
كابن حامد والقاضي وأصحابه ، مثل
أبي الخطاب وعامة المتأخرين : إنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج ، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بناء على أنه لا ينعقد بالكناية ؛ لأن الكناية تفتقر إلى نية ، والشهادة شرط في صحة النكاح ، والشهادة على النية غير ممكنة ، ومنعوا من
انعقاد النكاح بلفظ الهبة أو العطية أو غيرهما من ألفاظ التمليك .
وقال أكثر هؤلاء -
كابن حامد والقاضي والمتأخرين - إنه لا ينعقد إلا بلفظ العربية لمن يحسنها ، ومن لم يقدر على تعلمها انعقد بمعناها الخاص بكل لسان ، وإن قدر على تعلمها ففيه وجهان ، بناء على أنه مختص بهذين اللفظين . وأن فيه شوب التعبد .
وهذا - مع أنه ليس منصوصا عن
أحمد - فهو مخالف لأصوله ، ولم ينص
أحمد على ذلك ، ولا نقلوا عنه نصا في ذلك ، وإنما نقلوا قوله في رواية
أبي [الحرث ] : إذا وهبت نفسها لرجل فليس بنكاح ، فإن الله تعالى قال : (
خالصة لك من دون المؤمنين ) [الأحزاب : 50] ، وهذا إنما هو نص على منع ما كان من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو النكاح بغير مهر ، بل قد نص
أحمد في المشهور عنه على أن النكاح ينعقد
بقوله لأمته : " أعتقتك وجعلت عتقك صداقك " وبقوله : " جعلت عتقك صداقك ، أو صداقك عتقك " ذكر ذلك في غير موضع من جواباته .
فاختلف أصحابه ، فأما
أبو عبد الله بن حامد : فطرد قياسه ، وقال : لا بد مع ذلك من أن يقول : " تزوجتها أو نكحتها " ؛ لأن
[ ص: 158 ] النكاح لا ينعقد قط بالعربية إلا بهاتين الصيغتين .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى وغيره : فجعلوا هذه الصورة مستثناة من القياس الذي وافقوا عليه
ابن حامد ، وأن ذلك من صور الاستحسان .
وذكر
ابن عقيل قولا في المذهب : أنه ينعقد بغير لفظ الإنكاح والتزويج ؛ لنص أحمد بهذا ، وهذا أشبه بنصوص
أحمد وأصوله .
ومذهب
مالك في ذلك شبيه بمذهبه ، فإن أصحاب
مالك اختلفوا :
هل ينعقد بغير لفظ الإنكاح والتزويج ؟ على قولين ، والمنصوص عنه إنما هو منع ما اختص به النبي - صلى الله عليه وسلم - من هبة البضع بغير مهر ، قال
ابن القاسم : وإن
وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظه عن
مالك ، فهو عندي جائز ، وما ذكره بعض أصحاب
مالك وأحمد من أنه لا ينعقد إلا بهذين اللفظين بعيد عن أصولهما ، فإن الحكم مبني على مقدمتين :
إحداهما : أن ما سوى ذلك كناية ، وأن الكناية مفتقرة إلى النية ، ومذهبهما المشهور : أن دلالة الحال في الكنايات تجعلها صريحة وتقوم مقام إظهار النية ، ولهذا جعلا الكنايات في الطلاق والقذف ونحوهما مع دلالة الحال كالصريح .
ومعلوم أن دلالات الأحوال في النكاح معروفة : من اجتماع الناس لذلك والتحدث بما اجتمعوا له ، فإذا قال بعد ذلك : " ملكتها لك بألف درهم " علم الحاضرون بالاضطرار أن المراد به الإنكاح ، وقد شاع هذا اللفظ في عرف الناس حتى سموا عقده إملاكا وملاكا ، ولهذا روى الناس قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لخاطب الواهبة الذي التمس فلم
[ ص: 159 ] يجد خاتما من حديد رووه تارة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003958أنكحتكها بما معك من القرآن " وتارة : "ملكتكها " وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت عنه أنه اقتصر على " ملكتكها " بل إما أنه قالهما جميعا ، أو قال أحدهما ، لكن لما كان اللفظان عندهم في مثل هذا الموضع سواء ، رووا الحديث تارة هكذا وتارة هكذا .
ثم تعيين اللفظ العربي في مثل هذا في غاية البعد عن أصول
أحمد ونصوصه ، وعن أصول الأدلة الشرعية ، إذ النكاح يصح من الكافر والمسلم ، وهو وإن كان قربة فإنما هو كالعتق والصدقة ، ومعلوم أن العتق لا يتعين له لفظ لا عربي ولا عجمي ، وكذلك الصدقة والوقف والهبة لا يتعين لها لفظ عربي بالإجماع ، ثم العجمي إذا تعلم العربية في الحال قد لا يفهم المقصود من ذلك اللفظ كما يفهمه من اللغة التي اعتادها .
نعم لو قيل : تكره العقود بغير العربية لغير حاجة كما يكره سائر أنواع الخطاب بغير العربية لغير حاجة : لكان متوجها كما قد روي عن
مالك وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ما يدل على كراهة اعتياد المخاطبة بغير العربية لغير حاجة ، وقد ذكرنا هذه المسألة في غير هذا الموضع .