ومن يرخص في المزارعة - دون المؤاجرة - يقول : الكراء هو الإجارة ، أو المزارعة الفاسدة التي كانوا يفعلونها بخلاف المزارعة الصحيحة التي ستأتي أدلتها ، والتي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل بها
أهل خيبر ، وعمل بها الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة من بعده .
يؤيد ذلك : أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الذي ترك
كراء الأرض لما حدثه
رافع ، كان يروي حديث
أهل خيبر رواية من يفتي به . ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة . وجميع ذلك من أنواع الغرر . والمؤاجرة أظهر في الغرر من المزارعة كما تقدم .
ومن يجوز المؤاجرة دون المزارعة يستدل بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه عن
ثابت بن الضحاك : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004034أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزارعة ، وأمر بالمؤاجرة وقال : لا بأس بها " فهذا صريح في النهي عن المزارعة ، والأمر بالمؤاجرة . ولأنه سيأتي عن
nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن [ ص: 230 ] خديج - الذي روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم - :
" أنه لم ينههم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كرائها بشيء معلوم مضمون ، وإنما نهاهم عما كانوا يفعلونه من المزارعة " .
وذهب جميع فقهاء الحديث الجامعون لطرقه كلهم -
nindex.php?page=showalam&ids=12251كأحمد بن حنبل وأصحابه كلهم من المتقدمين والمتأخرين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبي بكر بن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16040وسليمان بن دواد الهاشمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11997وأبي خيثمة زهير بن حرب ، وأكثر فقهاء الكوفيين :
nindex.php?page=showalam&ids=16004كسفيان الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ،
وأبي يوسف ومحمد صاحبي
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري صاحب الصحيح ،
وأبي داود ، وجماهير فقهاء الحديث من المتأخرين ،
كابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة والخطابي وغيرهم ، وأهل الظاهر وأكثر أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - إلى جواز
المزارعة والمؤاجرة ونحو ذلك ، اتباعا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه وأصحابه وما عليه السلف وعمل جمهور المسلمين . وبينوا معاني الأحاديث التي يظن اختلافها في هذا الباب .
فمن ذلك :
معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل خيبر هو وخلفاؤه من بعده إلى أن أجلاهم
عمر . فعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004036 " عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع " ، أخرجاه . وأخرجا أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004037 " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى أهل خيبر على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما خرج منها " . هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004038 " لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم فيها على أن يعملوا على نصف ما خرج منها من الثمر والزرع ، فقال [ ص: 231 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقركم فيها على ذلك ما شئنا . وكان الثمر على السهمان من نصف خيبر ، فيأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخمس " . وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004039 " أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم وللرسول - صلى الله عليه وسلم - شطر ثمرها " . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004040 " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى خيبر أهلها على النصف : نخلها وأرضها " ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004041أن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع ، فهو يعمل به إلى يومك هذا " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه .
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس كان
باليمن ، وأخذ عن أصحاب
معاذ الذين
باليمن من أعيان المخضرمين . وقوله : "
وعمر وعثمان " ، أي : كنا نفعل كذلك على عهد
عمر وعثمان ، فحذف الفعل لدلالة الحال عليه ; لأن المخاطبين كانوا يعلمون أن
معاذا خرج من
اليمن في خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ، وقدم
الشام في خلافة
عمر ، ومات بها في خلافته . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11958أبي جعفر - يعني : الباقر - " ما
بالمدينة دار هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع " ، قال : " وزارع
علي ،
وسعيد بن مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ،
والقاسم ،
وعروة ،
وآل أبي بكر ،
وآل عمر ،
وآل علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين . وعامل
عمر الناس على أنه إن جاء
عمر بالبذر من عنده فله الشطر ، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا " . وهذه الآثار التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قد رواها غير واحد من المصنفين في الآثار .
[ ص: 232 ] فإذا كان جميع
المهاجرين كانوا يزارعون
والخلفاء الراشدون وأكابر الصحابة والتابعين ، من غير أن ينكر ذلك منكر ، لم يكن إجماع أعظم من هذا ، بل إن كان في الدنيا إجماع فهو هذا . لا سيما
وأهل بيعة الرضوان جميعهم زارعوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده إلى أن أجلى
عمر اليهود إلى
تيماء .
وقد تأول من أبطل المزارعة والمساقاة ذلك بتأويلات مردودة . مثل أن قال : كان
اليهود عبيدا للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين . فجعلوا ذلك مثل المخارجة بين العبد وسيده .
ومعلوم بالنقل المتواتر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالحهم ولم يسترقهم حتى أجلاهم
عمر ، ولم يبعهم ولا مكن أحدا من المسلمين من استرقاق أحد منهم .
ومثل أن قال : هذه معاملة مع الكفار . فلا يلزم أن تجوز مع المسلمين . وهذا مردود ، فإن
خيبر كانت قد صارت دار إسلام ، وقد أجمع المسلمون أنه يحرم في دار الإسلام بين المسلمين وأهل العهد ما يحرم بين المسلمين من المعاملات الفاسدة . ثم إنا قد ذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل بين
المهاجرين والأنصار ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل عامل على عهده
أهل اليمن بعد إسلامهم على ذلك ، وأن الصحابة كانوا يعاملون بذلك ، والقياس الصحيح يقتضي جواز ذلك مع عمومات الكتاب والسنة المبيحة ، أو النافية للحرج ، ومع الاستصحاب ، وذلك من وجوه .
أحدها : أن هذه المعاملة مشاركة ، ليست مثل المؤاجرة المطلقة . فإن النماء الحادث يحصل من منفعة أصلين : منفعة العين التي لهذا ، كبدنه وبقره ، ومنفعة العين التي لهذا ، كأرضه وشجره ،
[ ص: 233 ] كما تحصل المغانم بمنفعة أبدان الغانمين وخيلهم ، وكما يحصل مال الفيء بمنفعة أبدان المسلمين من قوتهم ونصرهم ، بخلاف الإجارة ، فإن المقصود فيها هو العمل ، أو المنفعة . فمن
استأجر لبناء أو خياطة ، أو شق الأرض أو بذرها أو حصاد ، فإذا وافاه ذلك العمل فقد استوفى المستأجر مقصوده بالعقد ، واستحق الأجير أجره ، ولذلك يشترط في الإجارة اللازمة : أن يكون العمل مضبوطا كما يشترط مثل ذلك في المبيع . وهنا منفعة بدن العامل وبدن بقره وحديده : هو مثل منفعة أرض المالك وشجره . ليس مقصود واحد منهما استيفاء منفعة الآخر ، وإنما مقصودهما جميعا : ما يتولد من اجتماع المنفعتين . فإن حصل نماء اشتركا فيه ، وإن لم يحصل نماء ذهب على كل منهما منفعته ، فيشتركان في المغنم وفي المغرم ، كسائر المشتركين فيما يحدث من نماء الأصول التي لهم . وهذا جنس من التصرفات يخالف في حقيقته ومقصوده وحكمه الإجارة المحضة ، وما فيه من شوب المعاوضة من جنس ما في الشركة من شوب المعاوضة .