أسباب الحسد :
للحسد المذموم مداخل كثيرة وأسباب عديدة :
فمنها : العداوة والبغضاء ، وهذا
أشد أسباب الحسد ، فإن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه - أبغضه قلبه ، وغضب عليه ، ورسخ في نفسه الحقد ، والحقد يقتضي منه التشفي والانتقام ، فإن عجز المتنغص عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان ، وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى ، فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها ، وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه ، وأنها لأجله ، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك ؛ لأنه ضد مراده ، وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله ، حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه ، بل أنعم عليه . وبالجملة فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما ، وإنما غاية التقي أن لا يبغي ، وأن يكره ذلك من نفسه .
ومنها : التعزز ، وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره .
ومنها :
حب الرياسة وطلب الجاه ، بأن يكون منفردا عديم النظر ، غير مشارك في المنزلة ، يسوءه وجود مناظر له في المنزلة .
ومنها :
خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله ، بحيث يشق عليه أن يوصف عنده حسن حال عبد فيما أنعم عليه ، ويفرح بذكر فوات مقاصد أحد واضطراب أموره وتنغص عيشه ، فهو أبدا يحب الإدبار لغيره ، ويبخل بنعمة الله على عباده ، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه ! وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس ، ورذالة في الطبع ، ومعالجته شديدة ؛ لأنه خبث في الجبلة لا في عارض حتى يتصور زواله . وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد ، فيعظم فيه الحسد بذلك ، ويقوى قوة لا يقدر معها على الإخفاء والمجاملة ، بل ينهتك حجاب المجاملة ، وتظهر العداوة بالمكاشفة ، أعاذنا المولى من ذلك بلطفه وكرمه .