سبب حب المدح وبغض الذم :
لا يعرف طريق العلاج لذلك ما لم يعرف سببه ; لأن ما لا يعرف سببه لا يمكن معالجته ، إذ العلاج عبارة عن حل أسباب المرض .
لحب المدح والتذاذ القلب به أسباب :
الأول : وهو الأقوى شعور النفس بالكمال ، ومهما شعرت بكمالها ارتاحت واهتزت وتلذذت ، والمدح يشعر نفس الممدوح بكمالها .
السبب الثاني : أن المدح يدل على أن قلب المادح مملوك للممدوح وأنه مريد له ومعتقد فيه ومسخر تحت مشيئته ، وملك القلوب محبوب ، والشعور بحصوله لذيذ .
الثالث : أن ثناء المثني ومدح المادح سبب لاصطياد قلب كل من يسمعه ، لا سيما إذا كان ممن يعتد بثنائه في ملأ فيكون المدح ألذ ، والذم أشد على النفس . فأما العلة الأولى -
[ ص: 230 ] وهي استشعار الكمال - فتندفع بأن يعلم الممدوح أنه غير صادق في قوله كما إذا مدح بأنه نسيب أو سخي أو عالم بعلم أو متورع عن المحظورات ، وهو يعلم من نفسه ضد ذلك فتزول اللذة التي سببها استشعار الكمال ، وتبقى لذة الاستيلاء على قلبه وعلى لسانه ، وما بعدها ، فإن كان يعلم أن المادح ليس يعتقد ما يقوله ويعلم خلوه عن هذه الصفة بطلت اللذة الثانية ، وهو استيلاؤه على قلبه فبطلت اللذات كلها .