بيان
محاسبة النفس بعد العمل
قال تعالى : (
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) [ الحشر : 18 ] وهذه إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال ، وقال تعالى : (
وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) [ النور : 31 ] والتوبة نظر في الفعل بعد الفراغ منه بالندم عليه ، وقال تعالى : (
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) [ الأعراف : 201 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004701إني لأستغفر الله تعالى وأتوب إليه في اليوم مائة مرة " وقال "
عمر " رضي الله عنه : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا " . وقال "
nindex.php?page=showalam&ids=16871مالك بن دينار " : " رحم الله عبدا قال لنفسه : ألست صاحبة كذا ألست صاحبة كذا ؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان له قائدا " . إذا علمت هذا فينبغي أن يكون للمرء في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم حرصا منهم على الدنيا ، وكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة والسعادة أبد الآباد ؟ ما هذه المساهلة إلا عن الغفلة وقلة التوفيق . ومعنى المحاسبة مع الشريك أن ينظر في رأس المال وفي الربح والخسران ليتبين له الزيادة من النقصان ، فإن كان من فضل حاصل استوفاه وشكره ، وإن كان من خسران طالبه بضمانه وكلفه تداركه في المستقبل ، فكذلك رأس مال العبد في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل ، وخسرانه المعاصي ، وموسم هذه التجارة جملة النهار ، ومعاملة نفسه الأمارة بالسوء فليحاسبها على الفرائض أولا ، فإن أداها على وجهها شكر الله تعالى عليه ورغبها في مثلها ، وإن فوتها من أصلها طالبها بالقضاء ، وإن أداها ناقصة كلفها الجبران بالنوافل ، وإن ارتكب معصية اشتغل بعقوبتها ومعاتبتها ليستوفي منها ما يتدارك به ما فرط كما يصنع التاجر بشريكه ، وليتكفل بنفسه من الحساب ما سيتولاه غيره في صعيد القيامة .