صفة الجنة وأصناف نعيمها
اعلم أن تلك الدار التي عرفت همومها وغمومها يقابلها دار أخرى ، فتأمل في نعيمها وسرورها ، فإن من بعد من إحداهما استقر لا محالة في الأخرى ، فسق نفسك بسوط التقوى لتنال الملك العظيم ، وتسلم من العذاب الأليم ، فتفكر في أهل الجنة وفي وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، جالسين على منابر الياقوت ، متكئين على أرائك منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر والعسل ، محفوفة بالغلمان والولدان ، مزينة بالحور العين من الخيرات الحسان ، كأنهن الياقوت والمرجان ، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، ينظرون فيها إلى وجه الملك الكريم وقد أشرقت في وجوههم نضرة النعيم ، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ، لا يخافون فيها ولا يحزنون ، ومن ريب المنون آمنون . فيا عجبا لمن يؤمن بدار هذه صفتها ، ويوقن بأنه لا يموت أهلها ولا تحل الفجائع بمن نزل بفنائها ، كيف يأنس ويتهنأ بعيش دونها ، والله لو لم يكن فيها إلا سلامة الأبدان ، مع الأمن من الموت والجوع والعطش وسائر أصناف الحدثان ، لكان جديرا بأن يهجر الدنيا بسببها ، وأن لا يؤثر عليها ما التصرم والتنغص من ضرورته ، كيف وأهلها ملوك آمنون ، وفي أنواع السرور ممتعون ، لهم فيها كل ما يشتهون ، وإلى وجه الله الكريم ينظرون ، وينالون بالنظر من الله ما لا ينظرون معه إلى سائر نعيم الجنان ، ومهما أردت أن تعرف صفة الجنة فاقرأ القرآن فليس وراء بيان الله تعالى بيان ، واقرأ قوله
[ ص: 330 ] تعالى : (
ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46 ] إلى آخر سورة الرحمن ، واقرأ سورة الواقعة وسورة الإنسان وغيرها من السور ، ففيها ما يدلك على أن ثمة
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004716ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما ورد في الأثر ، ويكفي من الاطلاع على جملتها ما بينا ، وقد ورد في تفصيل صفتها كثير من الأخبار المدونة في الأسفار الكبار .
واعلم أن درجة الآخرة متفاوتة ، فإن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ، وكما أن بين الناس من الطاعات الظاهرة ، والأخلاق الباطنة المحمودة تفاوتا ظاهرا ، فكذلك فيما يجازون به تفاوت ظاهر ، فإن كنت تطلب أعلى الدرجات فاجتهد أن لا يسبقك أحد بطاعة الله تعالى ، فقد أمرك الله بالمسابقة والمنافسة فيها ، وقال تعالى : (
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) [ آل عمران : 133 ] ، وقال تعالى : (
إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون ) [ المطففين : 22 - 28 ] .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونستغفرك من كل ما زلت به القدم أو طغى به القلم ، يا واسع المغفرة يا أرحم الراحمين ؟ .