[ ص: 17 ] كتاب عقيدة أهل السنة
" في كلمتي الشهادة التي هي أحد مباني الإسلام "
عقيدتهم في ذاته تعالى وتقدس أنه إله واحد لا شريك له ، قديم لا أول له ، مستمر الوجود لا آخر له ، أبدي لا نهاية له ، دائم لا انصرام له . لم يزل ولا يزال ، موصوفا بنعوت الجلال ، لا يقضى عليه بالانقضاء والانفصال بتصرم الآباد وانقراض الآجال ، بل هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ; وأنه ليس بجسم مصور ، ولا يماثل موجودا ، ولا يماثله موجود ، ولا تحيط به الجهات ، ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات . وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده ، وهو فوق العرش والسماء ، وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى ، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى ، بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى ، وهو مع ذلك قريب من كل موجود ، وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد ، إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام ، وأنه لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء ، تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحده زمان ، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان ، وهو الآن على ما عليه كان ، وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول ، مرئي الذات بالأبصار في دار القرار نعمة منه ولطفا بالأبرار ، وإتماما منه للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم ، وأنه تعالى حي قادر جبار قاهر لا يعتريه قصور ولا عجز ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا يعارضه فناء ولا موت ، وأنه المنفرد بالخلق والاختراع ، المتوحد بالإيجاد والإبداع ; وأنه عالم بجميع المعلومات ، محيط بما يجري من تخوم الأرضين إلى أعلى السماوات ، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، ويدرك حركة الذر في جو الهواء ، ويعلم السر وأخفى ، ويطلع على هواجس
[ ص: 18 ] الضمائر ، وحركات الخواطر ، وخفيات السرائر ، بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفا به في أزل الآزال ; وأنه تعالى مدير للكائنات ، مدبر للحادثات ، فلا يجري في الملك والملكوت أمر إلا بقضائه وقدره وحكمته ومشيئته . فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه ، وأنه تعالى سميع بصير ، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق ، ولا يحجب سمعه بعد ، ولا يدفع رؤيته ظلام . لا يشبه سمعه وبصره سمع وبصر الخلق ، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق ، وأنه تعالى متكلم آمر ناه ، واعد متوعد ، وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله عليهم السلام ، وأنه تعالى كلم
موسى - عليه السلام - بكلامه الذي هو صفة ذاته لا خلق من خلقه ، وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ، ولا صفة لمخلوق فينفد ، وأنه سبحانه وتعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله ، وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها ، وأنه حكيم في أفعاله عادل في أقضيته ، فكل ما سواه من إنس وجن وملك وسماء وأرض وحيوان ونبات وجماد ومدرك ومحسوس حادث ، اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا ، وأنشأه إنشاء بعد أن لم يكن شيئا ، إذ كان في الأزل موجودا وحده ولم يكن معه غيره ، فأحدث الخلق بعد ذلك إظهارا لقدرته وتحقيقا لما سبق من إرادته ولما حق في الأزل من كلمته ، لا لافتقاره إليه وحاجته ، وأنه متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجود ، ومتطول بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم ، فله الفضل والإحسان ، والنعمة والامتنان ، وأنه عز وجل يثيب عباده المؤمنين على الطاعات بحكم الكرم والوعد لا بحكم اللزوم له ، إذ لا يجب عليه لأحد فعل ، ولا يتصور منه ظلم ، ولا يجب لأحد عليه حق ، وأن حقه في الطاعات واجب على الخلق بإيجابه على ألسنة أنبيائه - عليهم السلام - لا بمجرد العقل ، ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده ، فوجب على الخلق تصديقهم بما جاؤوا به ، وأنه بعث النبي الأمي القرشي
محمدا - صلى الله عليه وسلم - برسالته إلى [ كافة ] العرب
والعجم والجن والإنس ، وأنه ختم الرسالة والنبوة ببعثته فجعله
آخر المرسلين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وأنزل عليه كتابه الحكيم وشرح به دينه القويم ، وهدى به الصراط المستقيم ، وألزم الخلق تصديقه في جميع ما أخبر به ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من يموت كما بدأهم يعودون ، وأنه تعالى قد خلق الجنة فأعدها دار خلود لأوليائه وأكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم ، وخلق النار فأعدها دار خلود لمن كفر به وألحد في آياته وكتبه ورسله وجعلهم محجوبين عن رؤيته .
وندين بأن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمور ، وندين بأن لا ننزل أحدا من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنة ولا نارا إلا من شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين ، ونقول إن
[ ص: 19 ] الله عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونؤمن بعذاب القبر وأن الله عز وجل يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين ، وندين بحب السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه - عليه السلام - ، ونثني عليهم بما أثنى الله به عليهم ونتولاهم أجمعين ; ونقول إن الإمام الفاضل بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق - رضوان الله عليه - وإن الله أعز به الدين ، وأظهره على المرتدين ، وقدمه المسلمون بالإمامة كما قدمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم للصلاة - وسموه بأجمعهم خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، ثم
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وإن الذين قاتلوه قاتلوه ظلما وعدوانا ، ثم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلافتهم خلافة النبوة ، ونتولى سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونكف عما شجر بينهم ، ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع المسلمين وما كان في معناه ، ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا ، ولا نقول على الله ما لا نعلم ، ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم ، ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك ونقول إن الصالحين يجوز أن يخصهم الله بآيات يظهرها عليهم .