[ ص: 20 ] كتاب أسرار الطهارة
قال تعالى : (
ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ) [ المائدة : 6 ] وقال تعالى : (
فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) [ التوبة : 108 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004171مفتاح الصلاة الطهور " وعنه "
بني الدين على النظافة " ففطن ذوو البصائر بهذه الظواهر أن أهم الأمور تطهير السرائر إذ يبعد أن يكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004173الطهور نصف الإيمان " عمارة الظاهر بالتنظيف بإفاضة الماء وإلقائه وتخريب الباطن وإبقائه مشحونا بالأخباث والأقذار ، هيهات هيهات .
والطهارة لها أربع مراتب .
المرتبة الأولى : تطهير الظاهر عن الأحداث وعن الأخباث والفضلات .
المرتبة الثانية : تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام .
المرتبة الثالثة : تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة .
المرتبة الرابعة : تطهير السر عما سوى الله تعالى وهو طهارة الأنبياء - صلوات الله عليهم - والصديقين . ولن ينال العبد الطبقة العالية إلا أن يجاوز الطبقة السافلة ، فلا يصل إلى طهارة السر عن الصفات المذمومة وعمارته بالمحمودة ما لم يفرغ من طهارة القلب عن الخلق المذموم وعمارتها بالخلق المحمود ، ولن يصل إلى ذلك من لم يفرغ من طهارة الجوارح عن المناهي وعمارتها بالطاعات ، وكلما عز المطلوب وشرف صعب مسلكه وكثرت عقباته ، فلا تظن أن هذا الأمر يدرك بالمنى وينال بالهوينا . نعم من عميت بصيرته عن تفاوت هذه الطبقات لم يفهم من مراتب الطهارة إلا الدرجة الأخيرة التي هي كالقشرة الأخيرة الظاهرة بالإضافة إلى اللب المطلوب ، فصار يمعن فيها ويستوعب جميع أوقاته في الاستنجاء وغسل الثياب وتنظيف الظاهر وطلب المياه الجارية الكثيرة ، ظنا منه بحكم الوسوسة وتخبل العقل أن الطهارة المطلوبة الشريفة هي هذه فقط ، وجهالة بسيرة الأولين واستغراقهم جميع الهم والفكر في تطهير القلب وتساهلهم في أمر الظاهر ، حتى إن عمر - رضي الله عنه - مع علو منصبه توضأ من ماء
[ ص: 21 ] في جرة نصرانية . ولقد كانوا يصلون على الأرض في المساجد ، وكانوا يقتصرون على الحجارة في الاستنجاء . فكانت عنايتهم كلهم بنظافة الباطن ، ولم ينقل عن أحد منهم سؤال في دقائق النجاسات . وقد انتهت النوبة إلى طائفة يسمون الرعونة نظافة ، فأكثر أوقاتهم في تزيينهم الظواهر كفعل الماشطة بعروسها ، والباطن هنا خراب مشحون بخبائث الكبر والعجب والجهل والرياء والنفاق ولا يستنكرون ذلك ولا يتعجبون منه . ولو اقتصر مقتصر على الاستنجاء بالحجر ، أو صلى على الأرض من غير سجادة مفروشة ، أو توضأ من آنية كافر ، أقاموا عليه القيامة وشدوا عليه النكير ولقبوه بالقذر . فانظر كيف صار المنكر معروفا والمعروف منكرا ، وكيف اندرس من الدين رسمه كما اندرس حقيقته وعلمه ، إذا عرفت هذه المقدمة فلنتكلم الآن من مراتب الطهارة على الرابعة ، وهي نظافة الظاهر فنقول :
طهارة الظاهر ثلاثة أقسام : طهارة عن الخبث ، وطهارة عن الحدث ، وطهارة عن فضلات البدن ، وهي التي تحصل بالقلم والاستحمام واستعمال النورة والختان وغيرها .