وأشار إلى القسم الثاني من أقسام لفظه وهو الكناية الظاهرة بقوله ( و ) تلزم ( الثلاث ) في المدخول بها وغيرها ولا ينوي ( في ) أحد هذين اللفظين أنت ( بتة ) إذ البت القطع فكأن الزوج قطع العصمة التي بينه وبينها ( وحبلك على غاربك ) أي عصمتك على كتفك كناية عن كونه لم يكن له عليها عصمة كالممسك بزمام دابة يرميه على كتفها . ثم ذكر ثلاثة ألفاظ يلزمه فيها الثلاث في المدخول بها وواحدة في غيرها إلا أن ينوي أكثر وإن كان ظاهره لزوم الثلاث مطلقا بقوله ( أو ) قال لها أنت طالق ( واحدة بائنة ) ; لأن البينونة بغير عوض بعد الدخول إنما هي بالثلاث وقطعوا النظر عن لفظ واحدة احتياطا للفروج ، أو أن واحدة صفة لمرة أو دفعة لا لطلقة ( أو نواها ) أي الواحدة البائنة إما ( بخليت سبيلك ) ونحوه من كل كناية ظاهرة ( أو ) بقوله ( ادخلي ) الدار ونحوه من كل كناية خفية وأولى إذا نواها بقوله لها أنت طالق ; لأنه إذا لزمه الثلاث مع الكناية ولو الخفية فأولى مع الصريح ثم التحقيق حذف قوله خليت سبيلك ; لأنه من الكناية الظاهرة يلزمه الثلاث في المدخول بها ولو لم ينو الواحدة البائنة فالوجه أن يقول أو نواها بطالق أو ادخلي .
وحاصل الفقه أن يلفظ بواحدة بائنة أو نواها بلفظ آخر صريح أو كناية يلزمه الثلاث في المدخول بها وينوي في غيرها فإن لم تكن له نية فواحدة ( و ) يلزم ( الثلاث إلا أن ينوي أقل إن لم يدخل بها في ) قوله أنت ( كالميتة والدم ) ولحم الخنزير ( ووهبتك ) لأهلك أو نفسك ( أو رددتك لأهلك وأنت ) حرام ( أو ما أنقلب ) أي أرجع ( إليه من أهل ) زوجتي ( حرام ) وسواء فيما ذكر علق أو لم يعلق ( أو ) أنت ( خلية ) أو برية ( أو بائنة أو أنا ) منك خلي أو بري أو بائن فيلزمه الثلاث في ذلك كله في المدخول بها كغيرها إن لم ينو أقل كما أشار له بقوله إن لم يدخل بها ثم إن بعض هذه الألفاظ [ ص: 380 ] كخلية و برية وحبلك على غاربك وكالدم والميتة إنما يلزم بها ما ذكر إذا جرى بها العرف وأما إذا تنوسي استعمالها في الطلاق بحيث لم تجر بين الناس كما هو الآن فيكون من الكنايات الخفية إن قصد بها الطلاق لزم وإلا فلا كذا قيده القرافي وغيره ( و ) إذا نوى في غير المدخول بها وأراد نكاحها ( حلف ) في القضاء ( عند إرادة النكاح ) أنه ما أراد إلا واحدة أو اثنتين فإن نكل لزمه الثلاث فإن لم يرد نكاحها لم يحلف إذ لعله لا يتزوجها ( ودين ) أي وكل إلى دينه بأن يصدق ( في ) دعوى ( نفيه ) أي نفي إرادة الطلاق من أصله في جميع هذه الألفاظ المذكورة من قوله كالميتة إلى آخرها بيمين في القضاء وبغيرها في الفتوى ( إن دل بساط عليه ) أي على نفيه هذا ظاهره ، واعترض بأنه إنما ذكره في المدونة في لفظ خلية وبرية وبائنة وانظر من ذكره في الباقي ويجاب بأن المصنف قاس على هذه الألفاظ الثلاثة غيرها إما بالمساواة أو الأولى بجامع ظهور القرينة كأن يقول لمن ثقل نومها أو لمن رائحتها كريهة أنت كالميتة أو كالدم في الاستقذار وخلية من الخير أو من الأقارب ونحو ذلك وبائن مني إذا كانت منفصلة أي بينهما فرجة والحديث في شأن ذلك .
( و ) لزم ( ثلاث ) في المدخول بها وينوي في غيرها ( في لا عصمة لي عليك ) فكان حقه أن يذكر هذه فيما قبله ( أو اشترتها ) أي العصمة ( منه ) فيلزم الثلاث مطلقا دخل أم لا وقوله ( إلا لفداء ) فواحدة بائنة ; لأنه خلع دخل بها أم لا إلا أن ينوي أكثر ، راجع لقوله لا عصمة لي عليك لا لقوله اشترتها منه ; لأن معنى قوله إلا لفداء إلا مع مال فمن قال لزوجته لا عصمة لي عليك لزمه الثلاث في المدخول بها ما لم تدفع له مالا فقال لها ذلك فواحدة مطلقا ، وأما إذا اشترتها منه فهي مصاحبة للمال دائما فكيف يصح الاستثناء فلو قدمه عند الأولى كان أحسن ومعنى اشترتها منه أنها قالت له بعني عصمتك علي أو ما تملك علي من العصمة أو اشتريت منك ملكك علي أو طلاقك ففعل لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها ( و ) لزم ( ثلاث إلا أن ينوي أقل مطلقا ) دخل أم لا ( في خليت [ ص: 381 ] سبيلك و ) يلزم ( واحدة ) إلا لنية أكثر ( في فارقتك ) دخل بها أم لا وهي رجعية في المدخول بها
( قوله يلزم فيها الثلاث في المدخول بها ) أي ولا ينوي في العدد ( قوله إنما هي بالثلاث ) أي وأما قبل الدخول أو قارنت عوضا فواحدة وفيما ذكره من الحصر نظر فإن البينونة بعد الدخول بغير عوض تكون بلفظ الخلع فكان الأولى أن يقول ; لأن البينونة بعد الدخول بغير عوض وبغير لفظ الخلع إنما هي بالثلاث ( قوله أو أن واحدة صفة لمرة إلخ ) والمعنى أنت طالق مرة واحدة حالة كونك بائنة ( قوله وأولى ) أي في لزوم الثلاث في المدخول بها ولزوم الواحدة في غيرها إلا لنية أكثر إذا نواها أي الواحدة البائنة بقوله لها أنت طالق وهذا هو الظاهر خلافا لعبق حيث عمم في المدخول بها وغيرها في لزوم الثلاث فعلى كلامه إذا قال : أنت طالق ونوى واحدة بائنة يلزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها وأما لو صرح بقوله أنت طالق واحدة بائنة أو نواها بخليت سبيلك لا يلزمه الثلاث إلا في المدخول بها وفيه نظر ( قوله إذا لزمه الثلاث ) أي بنية الواحدة البائنة مع إلخ ( قوله يلزمه الثلاث ) أي إلا لنية أقل كما يأتي .
( قوله ولو لم ينو الواحدة البائنة ) أي وحينئذ فنية الواحدة البائنة مع خليت سبيلك لا فائدة لها وقد يقال : إن خليت سبيلك وإن لزم بها الثلاث عند عدم نية الواحدة البائنة إلا أنه ينوي في العدد وأما إذا نواها لزمه الثلاث ولا ينوي وحينئذ فلنيتها فائدة فسقط اعتراض الشارح على المصنف ( قوله أو كناية ) أي ظاهرة أو خفية ( قوله إن لم يدخل بها ) راجع للاستثناء لا لقوله والثلاث ومحصله أنه يلزم بهذه الألفاظ الثلاث في المدخول بها وغيرها إلا أنه لا ينوي في المدخول بها وينوي في غير المدخول بها والفرق بين المدخول بها وغيرها أن غير المدخول بها تبين بواحدة فإن كان طلاقه خلعا استوت المدخول بها وغيرها في قبول نية الواحدة قاله المواق وبهذا كان يفتي أشياخنا وقد نص ابن بشير على هذا المعنى ( قوله وأنت حرام ) أي سواء قال علي أو لم يقل ومثله أنا منك حرام ( قوله أو ما انقلب إليه من أهل حرام ) وكذا لو أسقط [ ص: 380 ] من أهل وإنما يفترقان في محاشاتها فيعمل بها إذا لم يذكر الأهل ولا يعمل بها حيث ذكره وجعله ما انقلب إليه من أهل حرام مساويا لأنت حرام في الحكم لقول ابن يونس ما نصه ابن حبيب قال nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ إذا قال : الحلال علي حرام أو حرام علي ما أحل لي أو ما أنقلب إليه حرام فذلك كله تحريم إلا أن يحاشي امرأته ا هـ وفي المدونة وإن قال لها قبل البناء أو بعده : أنت علي حرام فهي ثلاث ولا ينوي في المدخول بها وله نيته في التي لم يدخل بها ا هـ اللخمي واختلف إذا قال لها : ما أنقلب إليه حرام إن كنت لي بامرأة أو إن لم أضربك فقال ابن القاسم لا يحنث في زوجته ; لأنه أخرجها من اليمين إذ حين أوقع اليمين عليها علمنا أنه لم يردها بالتحريم وإنما أراد غيرها نقله ابن غازي وغيره .
( قوله كخلية وبرية وحبلك على غاربك ) أي وكذا رددتك لأهلك ( قوله إذا جرى بها العرف ) أي سواء قصد بها الطلاق أي حل العصمة أو لا ( قوله إن قصد بها الطلاق لزم وإلا فلا ) علم منه أن الأقسام أربعة قصد الطلاق بالألفاظ المذكورة وعدم قصده وفي كل إما أن يجري عرف استعمالها في الطلاق أو لا ( قوله كأن يقول إلخ ) هذا تمثيل لما إذا دل البساط على نفيه ( قوله والحديث ) أي والحال أن الكلام الجاري بينهما في شأن ذلك أي في شأن كونها منفصلة أو خلية من الأقارب أو من الخير فإن لم يكن الكلام جاريا بينهما في شأن ذلك وذكر لها ذلك كلاما مبتدأ بانت منه ولا تقبل دعواه إرادة نفي الطلاق لعدم البساط ( قوله فيما قبله ) أي مع ما قبلها بأن يذكر قوله أو لا عصمة لي عليك بعد قوله أو بائنة أو أنا ومثل لا عصمة لي عليك لا ذمة لي عليك .
( قوله فيلزم الثلاث مطلقا إلخ ) أي فتكون هذه مثل بتة وحبلك على غاربك فكان الأولى ذكرها عندها ( قوله إلا لفداء ) أي إلا أن يكون قوله لا عصمة لي عليك مصاحبا لفداء .
( قوله فكيف يصح الاستثناء ) استفهام إنكاري بمعنى النفي أي فلا يصح الاستثناء ; لأنه استثناء الشيء من نفسه ( قوله فلو قدمه ) أي الاستثناء عند الأولى أي وهي قوله لا عصمة لي عليك ( قوله وثلاث إلا أن ينوي أقل إلخ ) .
حاصله أنه إذا قال لها خليت سبيلك لزمه الثلاث إن نوى ذلك أو لم ينو شيئا فإن نوى أقل لزمه ما نواه سواء دخل بها أو لم يدخل فإن نوى الواحدة البائنة لزمه الثلاث في المدخول بها ولا ينوي ولزمه واحدة في غيرها كما مر .
{ تنبيه } من الكناية الظاهرة التي يلزم فيها الثلاث أنت خالصة أو لست لي على ذمة وأما عليه السخام فيلزم فيه واحدة إلا أن ينوي أكثر ، وأما نحو عليه الطلاق من ذراعه أو من فرسه فلا يلزم فيه شيء ; لأن القصد من الحلف بذلك التباعد عن الحلف بالزوجة ا هـ تقرير مؤلف لكن تقدم في الخلع من تقرير شيخنا العدوي أن لست لي على ذمة وأنت خالصة يلزم فيه واحدة بائنة والحاصل أن لست لي على ذمة أو أنت خالصة لا نص فيهما وقد اختلف استظهار الأشياخ في اللازم بهما فاستظهر شيخنا العدوي لزوم طلقة بائنة [ ص: 381 ] واستظهر الشارح لزوم الثلاث واستظهر بعض المحققين أن خالصة ويمين سفه ولست لي على ذمة في عرف مصر بمنزلة فارقتك يلزم فيه طلقة إلا لنية أكثر في المدخول بها وغيرها وأنها رجعية في المدخول بها وبائنة في غيرها .
( قوله وواحدة في فارقتك دخل بها أم لا ) هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة وهو المذهب وله في غيرها يلزمه واحدة في غير المدخول بها وثلاث في المدخول بها فإن قال في غير المدخول بها لم أرد طلاقا فثلاث وبذلك قال ابن القاسم وابن عبد الحكم .