وذكر قسيم قوله وظن دوامه بقوله ( وإن لم يظن ) دوامه لآخر المختار بأن اعتقد أو ظن انقطاعه أو شك فيه قبل خروج الوقت فله ثلاثة أحوال أشار إلى أولها بقوله ( ورشح ) أي لم يسل ولم يقطر وأمكن فتله بأن لم يكثر وجب التمادي فيهما [ ص: 203 ] و ( فتله بأنامل يسراه ) بأن يدخل الأنملة في أنفه ثم يفتلها بعد انفصالها بأنملة الإبهام وهكذا إلى أن تختضب الخمس وقيل يضعها على الأنف من غير إدخال ثم يفتلها بالإبهام إلى آخرها ( فإن ) أذهب الفتل الدم تمادى في صلاته وإن زاد ما في الأنامل العليا عن درهم وإن لم يقطعه الفتل بالأنامل العليا فتله بأنامل يسراه الوسطى فإن قطعه وهو دون درهم أو درهم فصحيحة أيضا وإن ( زاد ) ما في أنامل الوسطى ( عن درهم قطع ) صلاته وجوبا ثم شبه في القطع قوله ( كأن لطخه ) أي كما يقطع إن لطخه بالفعل بما زاد عن درهم واتسع الوقت السائل أو القاطر ( أو خشي ) ولو توهما ( تلوث ) فرش ( مسجد ) ولو ضاق الوقت وأشار إلى الحالة الثانية والثالثة بقوله ( وإلا ) يرشح بل سال أو قطر ولم يتلطخ به ( فله القطع ) وله التمادي [ ص: 204 ] ( وندب البناء ) أي إن لم يخش خروج الوقت وإلا وجب البناء وإذا أراد البناء ( فيخرج ممسك أنفه ) من أعلاه وهو مارنه لئلا يبقى فيه الدم إن أمسكه من أسفله ( ليغسل ) الدم .
( قوله : بأن اعتقد ) أي انقطاعه قبل خروج الوقت المختار وقوله أو ظن انقطاعه أي قبل خروج الوقت المختار وقوله أو شك فيه أي في انقطاعه قبل خروج الوقت المختار فهذه ثلاثة أحوال وفي كل منها إما أن يكون الدم سائلا أو قاطرا أو راشحا فهذه تسع صور تضم للستة قبلها تكون الجملة خمس عشرة صورة فيما إذا طرأ الدم في الصلاة تضم للخمسة عشر التي في نزول الدم قبل الصلاة فجملة صور الرعاف ثلاثون ( قوله : فله ثلاثة أحوال ) أي لأن الدم إما أن يكون سائلا أو قاطرا أو راشحا ( قوله : وأمكن فتله بأن لم يكثر إلخ ) أي وأما إذا كان لا يمكن فتله لكثرته كان حكمه حكم السائل والقاطر في التخيير بين القطع والبناء كما يأتي ( قوله : وجب التمادي ) أي وحرم قطعها بسلام أو كلام فإن خرج لغسل الدم من غير سلام ولا كلام فسدت عليه وعلى مأموميه ( قوله : وفتله إلخ ) ظاهر كلامه أن الفتل [ ص: 203 ] إنما يؤمر به إذا كان الدم يرشح فقط وأما إذا سال أو قطر فلا يؤمر بفتله ولو كان ثخينا يذهبه الفتل وليس كذلك بل كل ما يذهبه الفتل فلا يقطع لأجله الصلاة ويفتله كما في ح عن الطراز انظر بن ( قوله : فتله ) أي وجوبا وقوله بأنامل يسراه أي ندبا والفتل بيد واحدة لا بأنامل اليدين معا على أرجح الطريقين .
( تنبيه ) محل وجوب الفتل إذا كان يصلي بغير مسجد أو بمسجد محصب غير مفروش لينزل الدم في خلال الحصباء فإن كان بمسجد مفروش فلا يجوز له الفتل بل يقطع ويخرج منه من أول ما يرشح لئلا ينجس المسجد كما قاله القرافي في الذخيرة عن سند وإليه أشار المصنف بقوله أو خشي تلوث مسجد ( قوله : يعضها على الأنف ) أي على طاقة الأنف ليلاقي الدم عليها ( قوله : قطع صلاته وجوبا ) ظاهره أن القطع على حقيقته وبه قال طفى قائلا جميع أهل المذهب يعبرون بالقطع إذا تلطخ بغير المعفو عنه وتعبيرهم بالقطع إشارة لصحتها وهذا هو القياس الموافق للمذهب في العلم بالنجاسة في الصلاة وأنها صحيحة وتقدم الخلاف هل يحمل على وجوب القطع أو استحبابه فكذلك يقال هنا بل هنا أولى للضرورة . وحاصله أن الصلاة صحيحة ويؤمر بقطعها فإن خالف وأتمها أجزأته وقال ح والشيخ سالم ومن تبعهما قوله قطع أي بطلت صلاته ولا يجوز التمادي فيها ولو بنى لم تصح لأنها صحيحة ويحتاج لقطعها كما في قوله وإلا فله القطع وندب البناء وإنما عبر المصنف بقطع لأجل قوله أو خشي تلوث مسجد لأنه لا بطلان مع الخوف المذكور وكلام nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد في المقدمات صريح فيما قاله ح حيث قال من شروط البناء أن لا يسقط على ثوبه أو جسده من الدم ما لا يغتفر لكثرته لأنه إن سقط من الدم على ثوبه أو جسده كثير بطلت صلاته باتفاق ا هـ وهو أيضا سند للمصنف في قوله السابق وسقوطها في صلاة مبطل كما تقدم هناك بيانه انظر بن ( قوله : إن لطخه بالفعل ) أي إن لطخ ثوبه أو جسده بالفعل ( قوله : واتسع الوقت ) هذا شرط في القطع وهو مبني على ما قاله طفى من صحة الصلاة وأمره بالقطع لا على ما قاله ح من البطلان فتأمل ( قوله : السائل أو القاطر ) فاعل بقوله لطخه فالمعنى كان لطخ السائل أو القاطر ثوبه أو جسده بأزيد من درهم أي فيقطع وكان الأولى للشارح زيادة الراشح أيضا ( قوله : أو خشي تلوث مسجد ) رده ابن غازي و ح إلى ما يفتل أي فإن زاد على درهم قطع وكذا إن لم يزد ولكنه خشي تلوث مسجد وهذا هو المتعين وأما ما ذكره عبق وغيره من رده لسائل أو قاطر لا يفتل فغير صواب لأنه إذا سال أو قطر ولم يلطخه بالفعل فهو موضع التخيير بين القطع والبناء وحينئذ لا يتأتى الخوف فيه على المسجد قطعا لأنه يخرج منه على كل حال إما للقطع أو لغسل الدم والبناء . والحاصل أن السائل والقاطر إذا لم يلطخاه إما أن يقطع أو يبني فيخرج لغسل الدم فعلى كل حال لا يستقر في المسجد حتى يلطخه انظر بن والحاصل أن الأولى أن يعمم في الأول أعني قوله كأن لطخه أي السائل أو القاطر والراشح ويخصص في الثاني أعني قوله كأن خشي تلوث مسجد أي بالراشح الذي يفتله ( قوله : ولو ضاق الوقت ) مبالغة في قطعه إذا خشي تلوث المسجد أي أنه يقطع ولو ضاق الوقت عن قطعه وخروجه من المسجد والأولى حذف هذه المبالغة من هنا لأن الموضوع أنه لم يظن دوام الدم لآخر الوقت ( قوله : بل سال أو قطر ولم يتلطخ به ) أي والحال أنه لم يمكنه فتله وإلا فكالراشح كما تقدم ( قوله : فله القطع ) أي بسلام أو كلام أو مناف ويخرج لغسل الدم ثم يبتدئها من أولها فإن لم يأت بسلام ولا كلام وخرج لغسل الدم ورجع ابتدأ صلاته من أولها وأعادها ثالثا لأن صلاته الثانية الواقعة بعد غسل الدم زيادة في الصلاة قال ابن القاسم في المجموعة إن ابتدأ ولم يتكلم أعاد الصلاة وهذا صحيح لأنا إذا حكمنا بأن [ ص: 204 ] ما هو فيه من العمل لا يبطل الصلاة وحكمنا على أنه باق على إحرامه الأول فإذا كان قد صلى ركعة ثم ابتدأ بعد غسل الدم أربعا صار كمن صلى خمسا جاهلا قال ح والمشهور أن الرفض مبطل فيكفي في الخروج من الصلاة رفضه وإبطالها فمحل كونه إذا خرج لغسل الدم ولم يأت بسلام ولا كلام ثم رجع وابتدأها فإنه يعيدها ما لم لو ينو رفضها حين الخروج منها وإلا فلا إعادة ( قوله : وندب البناء ) هذه الجملة مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر وحاصله أي الأمرين أرجح ؟ وما ذكره المصنف من ندب البناء هو ما عليه جمهور أصحاب الإمام . والحاصل أن الدم إذا كان سائلا أو قاطرا ولم يلطخه ولم يمكنه فتله فإنه يخير بين البناء والقطع واختار ابن القاسم القطع فقال هو أولى وهو القياس لأن شأن الصلاة اتصال عملها من غير تخلل بشغل ولا انصراف عن محلها قال زروق وهو أي القطع أولى بمن لا يحسن التصرف في العلم لجهله واختار جمهور الأصحاب البناء للعمل وقيل هما سيان وذكر ابن حبيب ما يفيد وجوب البناء وأن الإمام إذا استخلف بالكلام تبطل صلاة المأمومين ( قوله : إن لم يخش خروج الوقت ) أي بقطع الصلاة وابتدائها من أولها بعد غسل الدم وكان الأولى حذف هذا الشرط لأن الموضوع كما علمت عدم ظنه دوام الدم لآخر الوقت ( قوله : فيخرج ) أي من هيئته الأولى أو من مكانه إن احتاج لذلك ولو كان متيمما لأن ما يحصل منه ملحق بأحكام الصلاة فلا تبطل الموالاة ولهذا لا يكبر إحراما إذا رجع لتكميل صلاته بعد الغسل وسبق أن وجود المتيمم الماء في الصلاة لا يبطلها ( قوله : ممسك أنفه ) هذا إرشاد لأحسن الكيفيات التي تعين على تقليل النجاسة لأن كثرتها تمنع من البناء وليس بشرط في البناء بل الشرط التحفظ من النجاسة لو لم يمسكه كما اختاره ح وفاقا لابن عبد السلام وعلى هذا فيكون المسك من أعلى الأنف على جهة الأولوية فقط كما في خش وغيره خلافا لما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13612ابن هارون من أن مسك الأنف من أعلاه شرط في البناء وذلك لأن داخل الأنف حكمه حكم ظاهر الجسد في الأخباث فيجب إزالة الدم عنه وإذا أمسكه من أسفله أو تركه من غير مسك صار داخل الأنف متلوثا بالدم ورده ابن عبد السلام بأن المحل محل ضرورة فيناسبه التخفيف والعفو عن باطن الأنف فمسك الأنف إنما طلب للتحفظ من النجاسة لا لخصوصه لأن المدار على التحفظ من النجاسة سواء أمسكه أو لم يمسكه تأمل ( قوله : لئلا يبقى فيه ) أي في الأنف الدم إن أمسكه من أسفله فيصير في حال خروجه حاملا للنجاسة وإن كان معفوا عنها على ما تقدم بخلاف ما إذا أمسكه من أعلاه فإنه يحبس الدم من أصله عن النزول ( قوله : ليغسل الدم ) أي لا يخرج إلا لغسل الدم فإن اشتغل بغيره بعد خروجه بطلت صلاته .