ولما تكلم على العيوب الذاتية تكلم على ما هو كالذاتي ، وهو التغرير الفعلي ، وهو أن يفعل البائع فعلا في المبيع يظن به كمالا وليس كذلك وأنه كالمشترط بقوله ( وتصرية الحيوان ) ولو آدميا كأمة لرضاع أي ترك حلبها ليعظم ضرعها فيظن به كثرة اللبن ( كالشرط ) المصرح به فله الرد بذلك ; لأنه غرر فعلي بخلاف القولي كأن يقول شخص لآخر عامل فلانا فإنه ثقة مليء ، وهو يعلم خلاف ذلك [ ص: 116 ] ثم شبه في الحكم ، قوله ( كتلطيخ ثوب عبد بمداد ) ، أو بيده محبرة وقلم إن فعله السيد ، أو أمر العبد به ، أو صبغ الثوب القديم ليظن أنه جديد ( فيرده ) أي ما وقع فيه التغرير من الحيوان وقوله ( بصاع ) خاص بالأنعام وظاهره صاع واحد ، ولو تكرر حلبها حيث لا يدل على الرضا ، وهو ظاهر قوله أيضا وتعدد بتعددها ( من غالب القوت ) أي قوت محله ولو لحما ولا عبرة بقوته هو عرضا عن اللبن الذي حلبه المشتري ( وحرم رد اللبن ) الذي حلبه منها بدلا عن الصاع ولو بتراضيهما لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه ; لأنه برد المصراة وجب الصاع على المشتري عوضا عن اللبن فلا يجوز أخذ اللبن عوضا عنه وهذا التعليل يفيد حرمة رد غير اللبن أيضا ، وهو كذلك ، وإنما اقتصر على اللبن لدفع توهم الجواز فيه ; لأنه الأصل ، وكذا يفيد حرمة رد غير الغالب مع وجود الغالب ، ولو غلب اللبن رد صاعا منه غير لبن المصراة [ ص: 117 ] ( لا إن ) ( علمها ) المشتري ( مصراة ) فلا رد له ( أو ) ( لم تصر و ) لكن ( ظن كثرة اللبن ) لكبر ضرعها فتخلف ظنه فلا رد له ( إلا ) بشروط ثلاثة فله الرد إن اجتمعت حيث نقص حلابها عما ظنه : وهي ( إن قصد ) منها اللبن لا غير ( واشتريت في وقت ) كثرة ( حلابها ) كوقت الربيع ، أو قرب ولادتها ( وكتمه ) البائع بأن لم يخبر المشتري بقلة لبنها الذي ظن كثرته فله ردها بغير صاع إذ ليست من مسائل التصرية بل من باب الرد بالعيب وقد علم من المصنف منطوقا ومفهوما ثلاث مسائل : الأولى أن يجدها مصراة ، الثانية أن يظن كثرة لبنها عن معتاد مثلها فلا يردها إلا بالشروط ، الثالثة وهي المفهوم أن يجدها ينقص لبنها عن حلاب أمثالها فهذه يردها مطلقا ظن كثرة لبنها على العادة أم لا علمها مصراة أم لا ولا يرد معها صاعا من غالب القوت ( ولا ) إن رد المصراة ( بغير عيب التصرية ) فلا يرد معها صاعا ( على الأحسن وتعدد ) الصاع ( بتعددها ) أي المصراة المشتراة في عقد واحد ( على المختار والأرجح ) وقال الأكثر يكتفى بصاع واحد لجميعها ; لأن غاية ما يفيده التعدد كثرة اللبن ، وهو غير منظور إليه بدليل اتحاد الصاع في الشاة وغيرها ، فإن كان بعقود تعدد اتفاقا . .
( قوله الذاتية ) أي القائمة بالذات ( قوله تكلم على ما هو ) أي شرع يتكلم على ما هو كالذاتي وقوله ، وهو أي العيب الذي هو كالذاتي التغرير الفعلي أي ظهور الحال بعد التغرير الفعلي لا نفس التغرير الفعلي كما هو ظاهر عبارته ( قوله وأنه كالمشترط ) أي وبين أنه كالمشترط ، وهو عطف على تكلم إلخ .
( قوله وتصرية الحيوان ) أي ، ولو حمارة ; لأن زيادة لبنها يزيد في ثمنها لتغذية ولدها ( قوله كالشرط ) أي كشرط المشتري كثرة اللبن صراحة ، ثم يتخلف ذلك المشروط ( قوله ، وهو يعلم خلاف ذلك ) أي فلا يضمن ذلك الشخص القائل ما عامل به الآخر فلانا على المشهور ومحل عدم الضمان ما لم يقل عامله وأنا ضامن له ، وإلا [ ص: 116 ] ضمن ما عامله فيه ، ومن الغرور القولي قول صيرفي نقد دراهم بغير أجر هي طيبة ، وهو يعلم خلاف ذلك وإعارة شخص لآخر إناء مخروقا ، وهو يعلم به ، وقال إنه صحيح فتلف ما وضع فيه بسبب الخرق فلا ضمان في جميع ذلك على المشهور ومحل عدم الضمان بالغرور القولي ما لم ينضم له عقد إجارة فيما يمكن فيه ، وإلا ضمن كصيرفي نقد بأجرة وأخبر أنه جيد مع علمه برداءته وكإجارة إناء فيه خرق وأخبر المؤجر أنه سالم مع علمه بخرقه فتلف ما وضع فيه قاله عج وتلخص من كلامه أن الصيرفي إذا نقد بغير أجرة فلا ضمان عليه غر أم لا وكذا إن كان بأجرة ولم يغر بأن أخطأ مثلا بخلاف ما إذا كان بأجرة وغر بأن علم أنه زائف وقال : إنه جيد فإنه يضمن والذي ذكره خش في كبيره أن الصواب عدم ضمانه مطلقا ونقل ذلك في باب الإجارة عند قول المصنف ولم يغر بفعل انظر حاشية شيخنا ( قوله ، ثم شبه في الحكم ) أي ، وهو ثبوت الخيار للمشتري إن شاء رد ، أو تماسك إذا ظهر الحال وهذا يشير إلى أن الكاف في قوله كتلطيخ ثوب عبد للتشبيه ويصح أن تكون للتمثيل ، وأنه مثل للغرور الفعلي بمثالين : الأول التصرية وهذا هو الثاني إشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون الفعل متعلقا بالمبيع ، أو بملابسه ( قوله كتلطيخ ثوب عبد ) أي حين بيعه وقوله ، أو بيده أي ، أو يبيعه وبيده إلخ فيظن أنه كاتب والحال أنه ليس كذلك ( قوله إن فعله إلخ ) شرط في قول المصنف فيرده أي يثبت للمشتري الرد إن فعله السيد أي إن ثبت أن السيد فعله ، أو أمر العبد بفعله وذلك ; لأنه بمنزلة من اشترى عبدا بشرط الكتابة ، ثم تخلف المشروط ، فإن لم يثبت أن السيد فعله ولا أمر العبد بفعله فلا رد للمشتري لاحتمال فعل العبد ذلك بغير علم سيده لكراهة بقائه في ملكه ، فإن تنازع البائع والمشتري في كون البائع أمره بفعله ، أو لا فالقول قول البائع أنه لم يأمره ( قوله فيرده إلخ ) أتى به مع استفادته من قوله كالشرط ليرتب عليه ما بعده ( قوله من الحيوان ) أي سواء كان بهيميا ، أو كان آدميا ( قوله بصاع ) أي مع صاع وقوله خاص بالأنعام أي ، وأما لو رد أمة ، أو رد حمارة فلا يرد معها صاعا ( قوله على الرضا ) أي فقدر الصاع متعين فلا يزاد عليه لكثرة اللبن ولا ينقص عنه لقلته ولا يلتفت لغلو الصاع ولا لرخصه ( قوله وتعدد بتعددها ) أي تعدد الصاع بتعدد الذات المصراة فهذا يفيد أن لكل ذات صاعا ولو تعدد حلبها ( قوله من غالب القوت ) أي ولا يتعين كونه من تمر على المذهب وقيل : يتعين لوقوعه في الحديث حيث قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=11881إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردها وصاعا من تمر } وحمله المشهور على أنه كان غالب قوت أهل المدينة ثم إن قوله من غالب القوت يشعر بأن هناك غالبا وغيره أما إن لم يكن هناك غالب بل كان هناك صنفان مستويان ، أو ثلاثة مستوية في القوتية فإنه يخير في الإخراج من أيها شاء سواء كان من الأعلى ، أو من الأدنى ، أو من الأوسط قاله البساطي ، وهو ظاهر كلامهم وقال الشيخ علي السنهوري يتعين الإخراج من الأوسط ا هـ تقرير عدوي ( قوله عوضا عن اللبن ) معمول لقوله فيرده مع صاع ( قوله وحرم رد اللبن ) أي غاب عليه المشتري أم لا ( قوله بيع الطعام ) أي ، وهو الصاع ( قوله وجب الصاع ) أي من غالب القوت فأل للعهد ( قوله وهذا التعليل ) أي قوله ; لأنه يرد المصراة إلخ ( قوله وإنما اقتصر ) أي المصنف ( قوله ، وكذا يفيد ) أي هذا التعليل السابق يفيد إلخ ويفيد أيضا أنه لو رد الحيوان بعيب التصرية قبل أخذ اللبن فلا صاع عليه وأنه لو رد اللبن مع الصاع فلا حرمة وذلك ; لأن الصاع بدل اللبن والممنوع عدم رد البدل وهذا رد البدل ، وإن كان قد رد المبدل أيضا واعلم أن رد المشتري للصاع أمر تعبدي أمرنا به الشارع ولم نعقل له معنى وذلك ; لأن القاعدة أن الخراج بالضمان والضمان على المشتري فمقتضاه أنه يفوز باللبن ولا شيء عليه كما قال بذلك بعضهم على أنه لو كان عوضا عن اللبن وأن اللبن لا يستحقه المشتري ففيه بيع الطعام بالطعام نسيئة هذا ، وقد قال بعض أهل المذهب nindex.php?page=showalam&ids=12321كأشهب أنه لا يؤخذ بحديث المصراة ، وهو { nindex.php?page=hadith&LINKID=30339لا تصر الإبل والغنم فمن اشتراها بعد [ ص: 117 ] ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردها وصاعا من تمر } لنسخه بحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=14150الخراج بالضمان } ; لأنه أثبت منه وقال بعضهم كابن يونس لا نسخ ; لأن حديث المصراة أصح ، وإنما حديث : الخراج بالضمان عام وحديث المصراة خاص والخاص يقضى به على العام انظر بن ( قوله لا إن علمها مصراة ) أي أنه إذا اشتراها ، وهو يعلم أنها مصراة فلا رد له قال اللخمي : ما لم يجدها قليلة الدر دون المعتاد من مثلها ، وإلا كان له الرد كذا في بن ، وأما لو علم أنها مصراة بعد شرائها وقبل حلبها حلف أنه لم يرد إمساكها رضا بها وكان له ردها ، ولو أشهد أنه أمسكها للاختبار لم يحلف ، وكذا لو علم بعد حلابها وأمسكها ليحلبها ثانيا لأجل أن يعلم عادتها ، وكذا لو سافر فحلبها أهله زمانا فله إذا قدم ردها وصاعا قاله ابن محرز ا هـ . عدوي ( قوله ولكن ظن كثرة اللبن ) أي ظن أنه أكثر من لبن مثلها عادة هذا هو المراد ( قوله فتخلف ظنه ) أي بأن وجدها تحلب حلاب أمثالها ( قوله لا غير ) أي من عمل ، أو لحم ( قوله ، أو قرب ولادتها ) أي ، أو بعد ولادتها بقرب ( قوله بأن لم يخبر إلخ ) أي لم يخبره بقلة لبنها عما ظنه مع حلابها حلاب أمثالها ( قوله أن يجدها مصراة ) أي وهذه له ردها مع صاع ( قوله عن معتاد مثلها ) أي فتخلف ظنه وقوله فلا يردها إلا بالشروط أي وإذا ردها فلا يرد معها صاعا .
( قوله بغير عيب التصرية ) أي كما لو ردها لرهص ونحوه ( قوله على الأحسن ) أي على ما استحسنه التونسي ، وهو قول ابن القاسم وروى nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب يرد معها صاعا ; لأنه صدق عليه أنه رد مصراة ( قوله على المختار ) أي عند اللخمي والأرجح عند ابن يونس ، وهو قول الأقل أي من أهل المذهب ( قوله وقال الأكثر ) أي ، وهو المعتمد قال خش في كبيره وحكى هذا القول ابن العطار على أنه المذهب فكان ينبغي للمصنف أن يحكيه إما مساويا لما قبله ، أو يقدمه ولعله إنما تركه لقول ابن زرقون ليس العمل عليه قاله شيخنا في حاشيته ( قوله ، فإن كان ) أي الشراء للمتعدد من المصراة بعقود وقوله تعدد أي الصاع . .