، ولما كانت غلات الرهن ومنافعه للراهن تكلم على جواز اشتراطها للمرتهن بشروط فقال ( وجاز ) للمرتهن ( شرط منفعته ) أي الرهن لنفسه مجانا بشرطين أشار للأول بقوله ( إن عينت ) مدتها للخروج من الجهالة في الإجارة وللثاني بقوله وكان ( ببيع ) أي واقعا في عقد بيع فقط ( لا ) في عقد ( قرض ) ; لأنه في البيع بيع وإجارة وهو جائز وفي القرض سلف جر نفعا وهو لا يجوز فيمنع شرطها والتطوع بها في القرض عينت أم لا كالتطوع بالمعينة في البيع وهذا مفهوم قوله شرط ، وكذا يمنع في غير المعينة في البيع بشرط أو لا وهذا مفهوم الشرط فاشتمل كلامه على ثمان صور : المنع في سبع والجواز في صورة المصنف ( وفي ضمانه ) أي الرهن الذي اشترطت منفعته للمرتهن مجانا ( إذا تلف ) عنده في المدة المشترطة وهو مما يغاب عليه لصدق اسم الرهن عليه وعدم الضمان ; لأنه صار مستأجرا كسائر المستأجرات [ ص: 247 ] ( تردد ) الراجح الضمان ( وأجبر ) الراهن ( عليه ) أي على دفعه للمرتهن بعينه ( إن شرط ) الرهن ( ببيع ) أي في عقد بيع ، ولا مفهوم لبيع إذ القرض كذلك ( وعين ) الرهن المشترط ( وإلا ) يعين عند العقد بأن وقع على شرط رهن ما ( فرهن ثقة ) أي فيه وفاء بالدين ( والحوز ) الحاصل للمرتهن ( بعد مانعه ) أي المانع من الاختصاص بالرهن من موت أو فلس أي دعوى المرتهن بعد حصول المانع أن حوزي للرهن كان قبل المانع ونازعه الغرماء في ذلك ( لا يفيد ) ولا يختص به عن الغرماء ( ولو شهد ) له ( الأمين ) الذي وضع الرهن عنده بأن الحوز قبل المانع ; لأنها شهادة على فعل نفسه ، ولا بد من بينة غير الأمين ( وهل تكفي بينة ) للمرتهن أو شاهد ويمين ( على الحوز ) للرهن ( قبله ) أي المانع ، ولا يشترط الشهادة على التحويز ( وبه عمل ) وهو الأظهر ( أو ) لا يكفي بل لا بد من بينة على ( التحويز ) أي معاينتهم أن الراهن سلم الرهن للمرتهن قبل المانع ( تأويلان [ ص: 248 ] وفيها دليلهما و ) لو باع الراهن الرهن المعين المشترط في عقد البيع أو القرض ( مضى بيعه ) وإن لم يجز ابتداء ( قبل قبضه ) للمرتهن ( إن فرط مرتهنه ) في طلبه حتى باعه وصار دينه بلا رهن لتفريطه ( وإلا ) يفرط بل جد في الطلب ( فتأويلان ) في مضي البيع فات أم لا ويكون الثمن رهنا وفي رده إن لم يفت ويبقى رهنا وإلا فالثمن ( و ) إن باعه ( بعده ) أي بعد قبض المرتهن له ( فله ) أي للمرتهن ( رده ) أي رد البيع فيكون رهنا ( إن بيع بأقل ) من الدين ولم يكمل له ما نقص والدين عين مطلقا أو عرض من قرض ( أو ) بيع بمثل الدين فأكثر و ( دينه عرضا ) من بيع إذ لا يلزم قبول العرض قبل أجله ولو بيع بقدر الدين إذ الأجل فيه من حقهما بخلاف العرض من قرض فإن الأجل فيه من حق المقترض ( وإن أجاز ) المرتهن البيع ( تعجل ) دينه من الثمن ، فإن وفى وإلا أتبعه بالباقي .
( قوله ; لأنه في البيع بيع وإجارة ) أي لأن السلعة المبيعة بعضها في مقابلة ما يسمى من الثمن وبعضها في مقابلة المنفعة والأول بيع والثاني إجارة . ومحصله أن تلك المنفعة لم تضع على الراهن بل وقعت جزءا من ثمن السلعة التي اشتراها .
( قوله والتطوع بها في القرض عينت أم لا كالتطوع بالمعينة في البيع ) أي في المنع ; لأنها هدية مديان في كل منهما ( قوله وكذا يمنع في غير المعينة في البيع بشرط ) أي لما في ذلك من الجهالة في الإجارة ( قوله وهذا مفهوم الشرط ) أي وهو قوله إن عينت ( قوله ثمان صور ) حاصلها أن منفعة الرهن إما أن تكون مدتها معينة أو غير معينة ، وفي كل إما أن يشترطها المرتهن أو يتطوع بها الراهن عليه ، وفي كل إما أن يكون الراهن واقعا في عقد بيع أو قرض فأخذ المرتهن لها في رهن القرض ممنوع في صوره الأربعة وهي ما إذا كانت مدتها معينة أو لا مشترطة أو متطوعا بها وفي رهن البيع المنع في ثلاثة وهي ما إذا كانت متطوعا بها كانت مدتها معينة أم لا وكذا إذا كانت مشترطة ولم تعين مدتها والجواز في واحدة وهي ما إذا اشترطت وكانت مدتها معينة ومحل الجواز فيها إذا اشترطت ليأخذها مجانا كما قال الشارح أو لتحسب من الدين على أن ما بقي منه يعجل له ، وأما إن كان الباقي يدفع له فيه شيئا مؤجلا امتنع لفسخ ما في الذمة في مؤخر وإن كان على أن ما بقي منه يترك للراهن جاز إلا إذا كان اشتراط أن الباقي يترك للراهن واقعا في صلب العقد وإلا منع للغرر إذ لا يعلم ما يبقى ، وأما الصور السبعة الممنوعة فالمنع فيها مطلقا سواء كان أخذ المرتهن المنفعة مجانا أو على أن يحسبها من الثمن وعلة المنع في صور القرض سلف جر نفعا إن اشترطت مجانا وإن اشترط أخذها لتحسب من الدين اجتماع السلف والإجارة وإن كانت غير مشترطة في صلب العقد بل أباح له الراهن الانتفاع بها ، فإن كانت بغير عوض فهدية مديان وإن كانت لتحسب من الدين جرى على مبايعة المديان ، فإن كان فيها مسامحة حرم وإلا فقولان بالحرمة والكراهة وعلة المنع في صور البيع أنها إن [ ص: 247 ] كانت غير مشترطة فهدية مديان إن كانت مجانا وإن كانت لتحسب من الدين فيجري على مبايعة المديان وإن كانت مشترطة في عقد البيع والحال أنه لم تعين مدتها فعلة المنع الجهل بالثمن إذا اشترطت مجانا ; لأن المرتهن لما اشترط أخذها في العقد صارت هي وما سمي من الثمن في مقابلة المبيع وهي غير معلومة للجهل بمدتها وإن اشترطت لتحسب من الدين فعلة المنع اجتماع البيع والإجارة المجهولة الأجل ، هذا كله في أخذ المرتهن المنفعة التي ليست من جنس الدين ، وأما لو شرط المرتهن أخذ الغلة التي هي من جنس الدين من دينه ، فإن لم يؤجل لذلك أجلا جاز في القرض ومنع في البيع ; لأن القرض يجوز فيه الجهل بالأجل دون البيع وإن أجل ذلك بأجل معلوم ، فإن دخلا على أنه إن بقي شيء من الدين بعد الأجل ليوفيه الراهن من عنده أو من ثمن الرهن جاز ذلك في البيع والقرض وإن دخلا على أن الفاضل من الدين يعطيه به شيئا مؤجلا منع ذلك في البيع والقرض وإن دخلا على أن الفاضل من الدين يترك للمدين جاز في القرض دون البيع .
( قوله تردد ) هذا التردد ذكره ابن يونس وقال nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد الصواب في ذلك أن يغلب حكم الرهن نقله في التوضيح وابن عرفة فلذا قال الشارح الراجح الضمان ، وقد علمت من قول الشارح إذا تلف عنده في المدة المشترطة إلخ أن محل التردد إذا تلف في المدة المشترطة منفعتها ، وأما لو تلف بعدها فهو كالرهن في الضمان قولا واحدا ومحله أيضا إذا اشترطت المنفعة ليأخذها مجانا ، فإن اشترطت لتحسب من الدين فينبغي أن يترجح القول بعدم ضمانه ضمان الرهن لترجح جانب الإجارة فيه ليكون المنفعة وقعت في مقابلة عوض صراحة ( قوله وأجبر إلخ ) حاصله أن الرهن إذا اشترط في عقد البيع أو القرض وكان معينا فإن الراهن يجبر على دفعه بعينه للمرتهن ( قوله إذ القرض كذلك ) أي كما نقله المواق عن ابن عرفة ( قوله وعين ) الجملة حالية أي والحال أنه عين عند العقد ( قوله بأن وقع ) أي عقد البيع أو القرض ( قوله فرهن ثقة ) أي فيلزمه أن يأتي برهن ثقة ، فإن هلك الرهن المعين أو استحق قبل أن يقبضه المرتهن خير المرتهن في إمضاء البيع ويبقى دينه بلا رهن وبين الفسخ فيأخذ المبيع إن كان قائما وقيمته أو مثله إن فات ، فإن حصل الهلاك أو الاستحقاق بعد قبض المرتهن له فلا مقال له إلا أن يغره الراهن فيخير في الفسخ وعدمه ويبقى الدين بلا رهن .
( قوله والحوز ) أي ودعوى المرتهن الحوز بعد حصول المنع أي دعواه بعد حصول المانع أنه حاز قبل حصوله فهو على حذف مضاف بدليل قوله ولو شهد الأمين ; لأن الشهادة تقتضي حصول دعوى و " بعد " متعلق بدعوى المقدرة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وإبقاء كلام المصنف على ظاهره لا يفيد ; لأن من المعلوم أن الحوز بعد المانع لا يفيد ; لأن الحكم لا يثبت إذا وجد المانع ( قوله ونازعه الغرماء في ذلك ) أي وقالوا له إن حوزك لما هو بيدك إنما حصل بعد المانع ( قوله ولو شهد الأمين ) أي أو أقر الراهن أنه حازه قبل المانع وكذبه الغرماء ( قوله لأنها شهادة على فعل نفسه ) أي وهو الحوز أي والشهادة على فعل النفس لا تعتبر ; لأنها دعوى . هذا ويستفاد من التعليل المذكور أن شهادة القباني بأن وزن ما قبضه فلان كذا لا تقبل ; لأنها شهادة على فعل نفسه بخلاف ما إذا شهد أن فلانا قبض ما وزنه فإنه يعمل بشهادته ، فإن شهد بهما معا فالظاهر البطلان ; لأن الشهادة إذا بطل بعضها بطل كلها حيث كان بطلان بعضها للتهمة كما هنا ومحل بطلان شهادة القباني إذا شهد بالوزن ما لم يكن مقاما من طرف السلطان أو نائبه كالقاضي كما بمصر وإلا عمل بشهادته كما استظهره عج والظاهر أن تابع المقام من القاضي مثله .
( قوله وهو الأظهر ) أي لأن الأصل صحة وضع اليد وعدم اختلاسه مثلا ولا يشترط في الحوز نقل الرهن من دار الراهن بل يصح أن يجعله في موضع منها ويطبع عليه أو يأخذ مفاتيحه وتقدم بينة الحوز على النافية له ; لأنها مثبتة والمثبتة تقدم على النافية ; لأنها أزيد علما ما لم تؤيد بقرائن كما في فتوى nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد لما سأله عياض عن رهن دار ادعى [ ص: 248 ] المرتهن حيازتها ببينة فأقام الغرماء بينة على أن الراهن ساكن فيها فقال المرتهن لم أشعر برجوعه لها وفي السؤال أن العادة أنه لا يخفى عليه ذلك فأرسل nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد لعياض أن يحكم بالبطلان انظر ح ( قوله وفيها دليلهما ) قال ح أشار بذلك لظاهر كلام المدونة في كتاب الهبة ونصها ولا يقضي بالحيازة إلا بمعاينة البينة بحوزه في حبس أو رهن أو هبة أو صدقة ولو أقر المعطي في صحته أن المعطى قد حاز وقبض وشهد عليه بإقراره بينة ، ثم مات لم يقض بذلك إن أنكر الورثة حتى تعاين البينة الحوز ا هـ ووجه كون كلامها المذكور دالا على القولين ومحتملا لهما أن قولها حتى تعاين البينة الحوز يحتمل أن المراد حقيقة الحوز أي حتى تعاين البينة أن ذلك الشيء الموهوب أو المتصدق به أو المرهون في حوز الشخص المعطى بالفتح قبل المانع ويحتمل أن المراد التحويز أي التسليم كما هو المتبادر من المعاينة .
( قوله المشترط ) أي وأما إن كان الرهن متطوعا به بعد العقد وباعه الراهن قبل أن يقبضه المرتهن مضى بيعه وهل يكون ثمنه رهنا أو يكون للراهن ولا يكون رهنا ؟ فيه خلاف مخرج على الخلاف في بيع الهبة قبل قبضها وبعد علم الموهوب له في مضي البيع ويكون الثمن للمعطي بالكسر أو للمعطى - بالفتح - كما سيأتي وهذا كله إذا كان الرهن معينا ، فإن كان غير معين وكان مشترطا في عقد الدين وقبضه المرتهن وباعه الراهن بعد قبضه مضى بيعه وللمرتهن منع الراهن من تسليمه للمشتري حتى يأتيه برهن بدله ( قوله وفي رده إن لم يفت إلخ ) حاصل هذا التأويل الثاني أن البيع يرد إذا لم يفت المبيع ويبقى ذلك المبيع رهنا على حاله وإن فات المبيع فلا يرد البيع ويجعل الثمن رهنا والتأويل الأول nindex.php?page=showalam&ids=12502لابن أبي زيد والثاني nindex.php?page=showalam&ids=15003لابن القصار .
واعلم أن محل الخلاف في بيع الراهن الرهن المعين المشترط في عقد البيع أو القرض كما قال الشارح والحال أن الراهن البائع سلم الرهن المبيع للمشتري ، فإن لم يسلمه له كان للمرتهن أن يمنع الراهن من تسليمه ولو أتاه برهن بدله ; لأن العقد وقع على رهن معين فلا بد من تسليمه للمرتهن بعينه ، فإن خالف الراهن وسلمه للمشتري كان للمرتهن فسخ العقد الأصلي المشترط فيه الرهن .
( قوله وبعده ) حاصله أنه إذا باعه بعده فإما أن يبيعه بأقل من الدين أو بأكثر أو بمساو له ، وفي كل إما أن يكون الدين عينا مطلقا أو عرضا من بيع أو من قرض ، فإن باعه بأقل من الدين ولم يكمل له ما نقص من الدين خير المرتهن بين أن يرد البيع ويرجع الرهن لما كان عليه من الرهنية أو يجيزه ويأخذ الثمن ويطالب ببقية دينه سواء كان الدين عرضا من بيع أو من قرض أو كان عينا مطلقا وإن كمله له أخذه ولا كلام له ، فإن باعه بمساو أو أكثر ، فإن كان الدين عينا مطلقا أو عرضا من قرض فلا كلام للمرتهن بل البيع لازم ويعجل الدين وإن كان عرضا من بيع خير المرتهن في رد البيع وإمضائه ، فإن رد بيعه رجع رهنا وإن أمضاه عجل الدين ، فالخيار في خمس صور ، ولزوم البيع في أربعة ( قوله أو عرض من قرض ) أي أو من بيع ( قوله وإن أجاز المرتهن البيع ) أي في الصور الخمس التي يخير فيها بين الإجازة والرد وأولى في التعجيل الصور الأربع التي يكون البيع فيها لازما ولا خيار له .