( أو جهل سبقه ) أي الوقف ( لدين ) يبطل ( إن كان ) الوقف ( على محجوره ) شرط في قوله " أو جهل " أي مع وجود الشروط الثلاثة من الإشهاد وصرف الغلة وكونها غير دار سكناه ، وإلا لبطل ولو علم تقدمه على الدين يعني أن من وقف وقفا على محجوره وعلى الواقف دين ولم يعلم هل الدين قبل الوقف ، أو بعده فإن الوقف يكون باطلا ويباع للدين تقديما للواجب على التبرع لضعف الحوز ; لأنهم يقولون قد حزناه بحوز أبينا له ولذا لو حازه للمحجور أجنبي بإذن الأب في صحته لصح الوقف كالولد الكبير ، أو الأجنبي يحوز لنفسه في صحة الواقف فلا يبطل بجهل السبق بل بتحققه وأما لو حاز المحجور من صغير أو سفيه لنفسه فهل يعتبر حوزه فلا يبطل الوقف بجهل السبق وسيأتي للمصنف أن حوز السفيه يعتبر وكذا الصبي على أن المعتمد .
( أو ) وقف ( على نفسه ) خاصة فيبطل قطعا لتحجيره على نفسه وعلى وارثه بعد موته بل يبطل ( ولو ) كان الوقف على نفسه ( بشريك ) أي معه كوقفه على نفسه وعلى فلان أو الفقراء وظاهره أنه يبطل رأسا ما على نفسه وما على الشريك ولو حصلت حيازة من الشريك وليس كذلك بل حصة الشريك تجري على مسائل الباب فإن حصلت حيازة فيها قبل المانع [ ص: 81 ] صحت ، وإلا فلا ولو وقفه على نفسه ، ثم على عقبه لرجع بعد موته حبسا على عقبه إن حازوا قبل المانع ( أو أن النظر له ) أي للواقف فيبطل ; لأن فيه تحجيرا أي وحصل مانع الواقف وإلا صح ويجبر على جعل النظر لغيره ( أو لم يحزه ) حتى حصل المانع ( كبير وقف عليه ) فيبطل فإن حازه قبل المانع صح ( ولو ) كان ( سفيها أو ) لم يحزه ( ولي صغير ) ظاهره أن حوز الصغير لا يكفي والراجح أنه كاف ولو فيما وقفه وليه عليه ( أو لم يخل ) الواقف ( بين الناس وبين كمسجد ) ومدرسة ورباط وبئر فالإخلاء فيما ذكر حوز حكمي ويخل بضم الياء وسكون الخاء من أخلى بمعنى ترك وأشار إلى بيان المانع وأنه أحد أمور ثلاثة بقوله ( قبل فلسه ) متعلق بيحز ويخل المنفيين والمراد بالفلس ما يشمل الإحاطة بمال الواقف لقوله في الهبة وبطلت إن تأخر لدين محيط والوقف كالهبة والصدقة ( وموته ومرضه ) المتصل بالموت فإن صح بعد الحوز في المرض صح الوقف وجاز أن يعود الضمير في مرضه على الموت فلا يحتاج لتقييده بالمتصل .
وحاصل المسألة أن من حبس في صحته ولو على الفقراء ولم يحصل حوز عنه حتى حصل له مانع من هذه الثلاثة بطل وقفه أي لم يتم فللغريم إبطاله وأخذه في دينه في الأول وله ، أو للورثة في الأخيرين إبطاله ولهم الإجازة فالمراد بالبطلان عدم التمام وأما من حبس في مرضه فكالوصية يخرج من الثلث إن كان لغير وارث وله إبطاله بخلاف من حبس في صحته وعثر عليه قبل المانع [ ص: 82 ] فليس له ذلك ويجبر على التحويز إلا إذا شرط لنفسه الرجوع ، أو البيع إن احتاج فله ذلك ، ثم استثني من الحوز المفيد أنه لا بد فيه من الإخراج من يد المحبس .
قوله ( إلا ) أن يوقف أب ، أو وصي وقفا ( لمحجوره ) الصغير أو السفيه فلا يشترط فيه الحوز الحسي بل يكفي الحكمي من الأب ، أو الوصي ، أو المقام من الحاكم فيصح الوقف إذا استمر تحت يده حتى حصل مانع من الثلاثة المتقدمة لكن بشروط ثلاثة أشار لها بقوله ( إذا أشهد ) على التحبيس على محجوره وليس المراد الإشهاد على الحوز له ( وصرف الغلة ) كلها ، أو جلها ( له ) أي في مصالحه فإن علم عدم الصرف له بطل الوقف بالمانع ( ولم تكن ) الدار الموقوفة على المحجور ( دار سكناه ) أي الواقف ، وإلا لم يصح وقفها إلا إذا تخلى عنها وعاينت البينة فراغها من شواغل المحبس فإن سكن البعض جرى على الهبة كصرف الغلة وقد قال في بابها : ودار سكناه إلا أن يسكن أقلها ويكري له الأكثر ، وإن سكن النصف بطل فقط ، والأكثر بطل الجميع وفهم منه أن حيازة الأم ما حبسته على الولد الصغير لا تعتبر إلا إذا كانت وصية وهو كذلك .
( قوله : أو جهل سبقه لدين ) أي وأولى إذا علم تقدم الدين على الوقف فإن تحقق تقدم الوقف على الدين فلا بطلان وتتبع ذمة الواقف بالدين ، والحاصل أنه إن علم تقدم الدين على الوقف بطل سواء كان الوقف على محجوره أو على غيره ، وإن علم تقدم الوقف على الدين فلا بطلان كان الوقف على محجوره ، أو على غيره ، وإن جهل سبقه له فإن كان الوقف على محجوره بطل إن حازه له ، وإن كان على غيره فلا بطلان إن حازه الموقوف عليه قبل المانع . ( قوله : شرط في قوله ، أو جهل إلخ ) الأولى أن يقول شرط في بطلان الوقف إذا جهل سبقه لدين . ( قوله : مع وجود الشروط الثلاثة ) أي الآتية في كلام المصنف قريبا . ( قوله : من الإشهاد ) أي على الوقف . ( قوله : وصرف الغلة ) أي في مصالح الموقوف عليه . ( قوله : وإلا لبطل إلخ ) أي وإلا توجد هذه الشروط الثلاثة بأن تخلف ولو واحدا منها لبطل إلخ فلذا حمل المصنف على هذه الحالة . ( قوله : يعني أن من وقف وقفا على محجوره ) أي وحاز له والحال أنه أشهد على الوقف وصرف الغلة للموقوف عليه وليس ذلك الموقوف دار سكنى الواقف . ( قوله : لضعف الحوز ) أي لضعف هذا الحوز الحاصل من الواقف ، وإنما كان حوز الواقف ضعيفا لكون الوقف لم يخرج من تحت يده بخلاف حوز غيره فإنه قوي لخروج الوقف من تحت يد الواقف . ( قوله : بإذن الأب ) الأولى بإذن الولي الواقف . ( قوله : كالولد الكبير ) أي كما لو كان الوقف على ولده الكبير الرشيد ، أو على أجنبي وحازا لأنفسهما في حال صحة الواقف . ( قوله : فهل يعتبر حوزه ) أي أو لا يعتبر حوزه فيبطل الوقف بجهل السبق . ( قوله : على المعتمد ) أي وحينئذ فلا يبطل الوقف بجهل السبق خلافا لمن قال ببطلانه . ( قوله : على نفسه خاصة ) أي ابتداء ، أو بعد أن حبسه على غيره كحبس على زيد وعمرو ، ثم بعد موتهما على نفسي ، ثم من بعدي على كذا أو سكت عما بعد نفسه والأولى منهما الوقف فيها منقطع الوسط والثانية منقطع الآخر وقول الشارح ولو وقفه على نفسه ثم على عقبه الوقف فيها منقطع الأول ومذهبنا أن الوقف إذا كان فيه انقطاع في أوله ، أو آخره ، أو وسطه يبطل فيما لا يجوز الوقف عليه ويصح فيما لا يصح الوقف عليه إن حصل منه حوز قبل حصول المانع للواقف ولا يضر الانقطاع ; لأن الوقف نوع من التمليك في المنافع فجاز أن يعمم فيه أو يخص كالعواري والهبات والوصايا . ( قوله : وليس كذلك بل حصة إلخ ) لا يقال هذا يخالف قولهم الصفقة تفسد إذا [ ص: 81 ] جمعت حراما وحلالا ; لأن هذا مخصوص بالمعاوضات المالية بالبيع والشراء ; لأنها مبنية على التشديد ولعدم الضرر في فسخها لأخذ كل واحد عوضه بخلاف التبرعات فإن بفسخها يحصل الضرر للمتبرع عليه . ( قوله : صحت ) أي صح الوقف فيها دون حصة الواقف وقوله : وإلا فلا أي وألا يحصل حيازة في حصة الشريك فلا يصح الوقف فيها كما أنه لا يصح في حصة الواقف ا هـ واعلم أن حصة الشريك إن كانت معينة فيكفي في صحة وقفها حوزها وحدها كأن يقف دارين على نفسه وعلى شخص على أن له إحداهما معينة وللآخر الأخرى فإن كانت حصة الشريك غير معينة فالمعتبر حوز الجميع . ( قوله : إن حازوا إلخ ) أي فإن استمر تحت يده حتى حصل المانع من موت ، أو فلس ، أو جنون بطل الوقف من أصله . ( قوله : أو على أن النظر له ) محله ما لم يكن وقفه على محجوره ، وإلا فله النظر ويكون الشرط مؤكدا كذا ذكر شيخنا السيد البليدي في حاشية عبق . ( قوله : أي وحصل مانع للوقف ) أشار بهذا إلى أن شرط النظر له لا يبطل الوقف خلافا لما يظهر من كلام المؤلف ، وإنما يبطل الوقف عند شرطه النظر له بعد الحوز كما اقتصر عليه ابن عبد السلام واستظهره في التوضيح فإذا لم يحصل مانع أخرج من يد الواقف إلى يد ثقة ، وإن حصل مانع قبل ذلك بطل الوقف انظر ابن غازي وبهذا تعلم أن هذه الصورة يستغنى عنها بما بعدها ا هـ بن .
( قوله : فإن حازه قبل المانع صح ) أشار الشارح بهذا إلى أن قول المصنف ولو سفيها مبالغة في المفهوم قال ح ظاهر المؤلف أن حيازة السفيه مطلوبة ابتداء وليس كذلك بل المطلوب ابتداء حيازة الولي له ، وإنما الخلاف لو وقع وحاز لنفسه والقول الراجح أن حيازته كافية خلافا للباجي ، ثم ذكر أن الصغير كالسفيه فيما ذكر . ( قوله : أو لم يحزه حتى حصل المانع كبير وقف عليه ) أي ولا يكفي الجد في الحوز هنا بخلاف الهبة لأنها خرجت عن ملك الواهب بالمرة بخلاف الوقف ; لأن الملك للواقف كما يأتي ومفهوم قوله حتى حصل المانع أنه إذا لم يحصل المانع لا يبطل ويجبر على دفعه له ومفهوم قوله أو لم يحزه أنه لو حازه من ذكر قبل المانع صح الوقف ويشترط في الحوز معاينة البينة لقبض المحبس عليه ولو بدفع المفاتيح له ، أو عقد الكراء أو المزارعة فلو أقر الواقف في حال صحته أن الموقوف عليه قد قبض وشهد عليه بإقراره بينة ثم مات لم يقض بذلك إن أنكرت ورثته حتى تعاين البينة الحوز .
( قوله : أو لم يحزه ولي صغير ) أي حتى حصل المانع . ( قوله : ظاهره أن حوز الصغير لا يكفي ) أي لأن قوله " أو لم يحزه ولي صغير وقف عليه " صادق بما إذا وقف على الصغير ولم يحصل حوز أصلا ، أو حصل الحوز من الصغير . ( قوله : أو لم يخل بين الناس وبين كمسجد ومدرسة ورباط ) أي حتى حصل المانع فإنه يبطل الوقف . ( قوله : إن تأخر ) أي الحوز . ( قوله : ولو على الفقراء ) أي على معين سواء كان قريبا له ، أو أجنبيا منه بل ولو على غير معين كالفقراء . ( قوله : فللغريم إبطاله وأخذه في دينه ) أي وله إمضاؤه فهو مخير ; لأن الحق له . ( قوله : في الأول ) أي الفلس وقوله : في الأخيرين أي المرض ، أو الموت .
( قوله : فكالوصية يخرج من الثلث ) أي سواء حصلت حيازة أو لا فالحوز لا يشترط في التبرعات الحاصلة في المرض ، وإنما يشترط في التبرعات الحاصلة في الصحة والحاصل أن التبرعات إما أن تحصل في الصحة ، أو في المرض وفي كل إما أن يكون المتبرع له وارثا ، أو أجنبيا فإن حصل التبرع في الصحة وحصل الحوز قبل المانع صح ، وإلا فلا ، لا فرق بين كون المتبرع له وارثا أو أجنبيا ، وإن كان في المرض خرج مخرج الوصية من الثلث حصل حوز أم لا [ ص: 82 ] إن كان لغير وارث ، وإن كان لوارث بطل ولو حيز ; لأنه وصية لوارث وقد نهى الشارح عنها له . ( قوله : فليس له ذلك ) أي خلافا لما توهمه بعضهم من أن له إبطاله عند كبر سنه . ( قوله : فله ذلك ) أي إبطاله عملا بشرطه . ( قوله : لمحجوره ) اللام بمعنى على . ( قوله : فلا يشترط فيه ) أي في حوز ذلك الوقف . ( قوله : الحوز الحسي ) أي وهو الإخراج من تحت يد المحبس . ( قوله : بل يكفي الحكمي ) أي الحوز الحكمي .
( قوله : لكن بشروط ثلاثة ) بقي شرط رابع للصحة وهو أن لا يكون ما حبسه الوقف على محجوره مشاعا فإن كان مشاعا ولم يعين له حصة حتى حصل المانع بطل الوقف وصار إرثا بينه وبين إخوته الرشداء والحاصل أن حوز الواقف لما وقفه على محجوره إنما يكون فيما قد أبرزه وعينه وأبانه ولم يخلطه بماله فإن كان مشاعا فلا يكفي حوزه ويبطل الوقف إن حصل المانع وحينئذ إذا حبس على أولاده الصغار والكبار فالذي يحوز للصغار إخوتهم الكبار بتقديم الأب لا أبوهم فلو حاز الأب ذلك لحق الصغار ، ثم حصل مانع بطل الوقف . ( قوله : وليس المراد الإشهاد على الحوز ) أي بأن يقول للبينة اشهدوا علي أني رفعت يد الملك ووضعت يد الحوز ، وإنما كان هذا غير مراده لأنه لا يشترط ذلك . ( قوله : وصرف الغلة ) أي وثبت أنه صرف الغلة كلها ، أو جلها أو احتمل ذلك . ( قوله : له ) أي لمحجوره . ( قوله : فإن علم عدم الصرف له بطل الوقف بالمانع ) أي وإن صرف نصفها له ونصفها لمحجوره صح الوقف في النصف فقط ، وإن صرف جل الغلة لنفسه وصرف أقلها للمحجور عليه بطل الوقف في الجميع .
( قوله : جرى على الهبة كصرف الغلة ) أي كما أن صرف الغلة المتقدم يجري على الهبة وحاصل ما في الهبة أنه إذا أشغل النصف إلى أن حصل له المانع بطلت الهبة في ذلك النصف ، وإن أشغل الأكثر إلى حصول المانع بطلت الهبة في جميعها كما لو كان شاغلا لكلها وإن أشغل الأقل إلى حصول المانع كانت الهبة صحيحة في جميعها بمنزلة فراغها من شواغل المحبس . ( قوله : ودار سكناه ) أي وبطل هبة دار سكناه لمحجوره وقوله : إلا أن يسكن أقلها إلخ ومن باب أولى ما إذا أكراها كلها له . ( قوله : والأكثر بطل الجميع ) أي وإذا سكن الأكثر بطل الجميع ; لأنه بمنزلة سكناها كلها .
( قوله : إلا إذا كانت وصية ) أي عليه فيجوز أن تحوز له ما حبسته عليه وأما ما حبسه الأب أو غيره عليه فيصح حوزها له سواء كانت وصية أم لا .