( وأمر ) ( مدع ) نائب فاعل " أمر " أي يأمره القاضي بالكلام أولا والمدعي هو من ( تجرد قوله ) حال الدعوى ( عن مصدق ) من أصل ، أو معهود عرفا أي لم يكن له ما يصدقه من هذين حين الدعوى ولذا طلب منه البينة ليصدق وأما المدعى عليه فهو من تمسك بأصل ، أو عرف والأصل في الأشياء العدم وقوله ( بالكلام ) أي الدعوى متعلق ب أمر ( وإلا ) يعلم المدعي بأن قال كل أنا المدعي [ ص: 144 ] ( فالجالب ) لصاحبه بنفسه ، أو برسول القاضي هو الذي يؤمر بالكلام ابتداء ( وإلا ) يكن أحدهما جالبا ( أقرع ) بينهما ، وإذا أمر بالكلام ( فيدعي بمعلوم محقق ) نحو لي عليه دينار من قرض ، أو بيع أو نحو ذلك ، واحترز بالمعلوم من المجهول نحو لي عليه شيء لا أعلمه وبالمحقق من غيره نحو لي عليه دينار في ظني ، أو وهمي فلا تسمع دعواه على المشهور وهذا في غير دعوى الاتهام كأن يتهم إنسانا بسرقة شيئه ، أو بأنه فرط فيه فتسمع ويتوجه اليمين على المدعى عليه كما سيأتي في الشهادات .
( قوله : أي يأمره القاضي بالكلام أولا ) يعني وجوبا وذلك إذا علم القاضي أن هذا مدع بأن يسمعهما قبل الدخول عليه يتخاصمان فعلم به ، أو دخلا عليه وهو لا يعلم فسكت حتى تكلما فعلم به أو قال لهما ما شأنكما ، أو من المدعي منكما فقال أحدهما أنا مدع ووافقه خصمه على ذلك فعلم الجواب عما أورد هنا من الدور وهو أن أمره بالكلام يتوقف على العلم بكونه مدعيا ، والعلم بكونه مدعيا يتوقف على كلامه .
وحاصل الجواب أن الكلام المأمور به الذي يتوقف على العلم بكونه مدعيا المراد به الدعوى ، والكلام الذي يتوقف عليه العلم بكونه مدعيا غير الدعوى مثل تخاصمهما ، أو جوابه إذا سألهما ما شأنكما . ( قوله : من تجرد قوله حال الدعوى إلخ ) هذا جواب عما يقال إن تعريف المدعي بما ذكر غير جامع ; لأنه لا يشمل من صحب دعواه بينة إذ لا يصدق عليه أنه تجرد قوله : عن مصدق لوجود المصدق ، وحاصل الجواب أن المراد التجرد حال الدعوى فهذا يسمى مدعيا باعتبار حاله قبل إقامة البينة وإن كان متمسكا بالبينة ، وقد يدفع هذا الاعتراض أيضا بتفسير المصدق بما ذكره الشارح وذلك بأن يقال إن التجرد عن مصدق خاص لا ينافي مصاحبة مصدق غيره أعني البينة . ( قوله : من أصل أو معهود ) فمن قال لآخر : أنت عبدي فهو مدع ; لأن قوله تجرد عن الأصل وعن المعهود عرفا ; لأن الأصل الحرية وكذا من قال فلان لم يرد لي الوديعة مدع لتجرد قوله عن المعهود ; لأن المعهود تصديق الأمين .
( قوله : والأصل في الأشياء العدم ) فمن قال : لي على فلان ألف من بيع مثلا فهو مدع ; لأن قوله هذا حين دعواه [ ص: 144 ] مجرد عن الأصل ; لأن الأصل في الأشياء العدم . ( قوله : فالجالب لصاحبه ) أي فالذي جلب صاحبه لمجلس القاضي هو الذي إلخ . ( قوله : وإلا يكن أحدهما جالبا ) أي والموضوع أن القاضي لم يعلم المدعي بأن قال كل : أنا المدعي . ( قوله : أقرع بينهما ) أي في الادعاء أو لا . ( قوله : فيدعي بمعلوم محقق ) اعلم أن المراد بعلم المدعي به تصوره أي تميزه في ذهن المدعي والمدعى عليه والقاضي وأما تحققه فهو راجع لجزم المدعي بأنه مالك له أي لذلك المدعى به فهو راجع للتصديق فلأجل اشتراط العلم به وتميزه فلا تسمع دعواه بأن لي عليه شيئا أتحققه لكن لا أعلم ذاته ولاشتراط التحقق لا تسمع دعواه ب أشك ، أو أظن أن لي عليه دينارا مثلا . ( قوله : من قرض ، أو بيع ) بيان للسبب .
( قوله : واحترز بالمعلوم عن المجهول ) أي عما إذا ادعى بمجهول كلي " عليه شيء أتحققه ولكن لا أدري عينه فلا " يسمع دعواه سواء بين السبب أو لا على المشهور ومقابله ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري من أنه إذا ادعى بمجهول إن لم يبين السبب كما مر في المثال لم تسمع دعواه وإن بين السبب أمر المدعى عليه بالجواب إما بتعييبه ، أو بالإنكار ، وقول الشارح فلا تسمع دعواه على المشهور والأولى أن يقدمه قبل قوله وبالمحقق إلخ .
( قوله : وهذا في غير دعوى الاتهام ) أي أن محل كون المدعى به لا بد أن يكون محققا في غير دعوى الاتهام وأما إذا قال : أتهمه بسرقة دينار مثلا فإن دعواه تسمع كذا قال الشارح وفيه أن دعوى الاتهام ترجع للشك والظن فيلزم على كلام الشارح اشتراط الشيء في نفسه ; إذ كأنه قال فيدعي بمحقق معلوم لا بمشكوك ، أو مظنون إلا إن كان مشكوكا ، أو مظنونا وهذا لا معنى له فالحق أن ما هنا وهو أن المدعى به لا بد أن يكون محققا لا مشكوكا ولا مظنونا وإلا لم تسمع الدعوى إحدى طريقتين ، وما يأتي في الشهادات - من سماع دعوى الاتهام المفيد عدم اشتراط كون المدعى به محققا - طريقة أخرى ويترتب على ذلك الخلاف توجه يمين التهمة على المدعى عليه وعدم توجهها والمعتمد ما يأتي كذا ذكره شيخنا العدوي ونحوه في بن .