[ ص: 246 ] ( و ) يقتل ( المتسبب مع المباشر ) كحافر بئر لمعين فرداه غيره فيها و ( كمكره ) بكسر الراء ( ومكره ) بفتحها يقتلان معا هذا لتسببه ، وهذا لمباشرته ، فهذا مثال للمتسبب مع المباشر وليس في كلامه تكرار ما تقدم ; لأنه ذكر فيما تقدم مثال السبب بقوله كحفر بئر وقوله وكإكراه وقوله وكإمساك بعد ما ذكر المباشرة وأفاد هنا أي في بحث قتل الجماعة بواحد أنه إذا اجتمعت المباشرة ، والسبب ، فالقصاص عليهما معا لا يختص بواحد منهما دفعا لتوهم اختصاصه بالمباشر ، أو بالمتسبب ، وهذا صنيع عجيب ( وكأب ) أمر ولدا له صغيرا ( أو معلم أمر ولدا صغيرا ) بقتل حر فقتله ، فالقصاص على الأب ، أو المعلم دون الصغير لعدم تكليفه ( وسيد ) بالجر عطف على أب ( أمر عبدا ) له بقتل شخص ( مطلقا ) صغيرا كان العبد أو كبيرا فيقتل السيد لتسببه ويقتل العبد أيضا إن كان مكلفا ، فالإطلاق راجع لقتل السيد لا لعدم قتل العبد ( فإن لم يخف المأمور ) المكلف من الآمر سواء كان المأمور المكلف ابنا للآمر ، أو متعلما ، أو أجنبيا ( اقتص منه ) أي من المأمور ( فقط ) ; إذ لا إكراه حقيقة عند عدم الخوف وضرب الآمر مائة وحبس سنة .
والأصل عدم الخوف عند الجهل وتقدم أنه عند الخوف بالقتل قتلا معا للإكراه ( وعلى ) المكلف ( شريك الصبي ) في قتل شخص ( القصاص ) وحده دون الصبي لعدم تكليفه ( إن تمالآ على قتله ) عمدا وعلى عاقلة الصبي نصف الدية ; لأن عمده كخطئه فإن لم يتمالآ على قتله وتعمدا قتله ، أو الكبير فعليه نصف الدية في ماله وعلى عاقلة الصبي نصفها ، وإن قتلاه ، أو الكبير خطأ فعلى عاقلة كل نصف الدية [ ص: 247 ] ( لا ) على ( شريك مخطئ ) بالهمز وترسم ياء ( و ) لا شريك ( مجنون ) فلا يقتص منه وعلى المتعمد الكبير نصف الدية في ماله وعلى عاقلة المخطئ ، أو المجنون نصفها ( وهل يقتص من شريك سبع ) نظرا لتعمده قتله ( و ) من شريك ( جارح نفسه ) جرحا يكون عند الموت غالبا ، ثم ضربه مكلف قاصدا قتله نظرا لقصده ( و ) من شريك ( حربي ) لم يتمالآ على قتله ، وإلا اقتص من الشريك قطعا ( ومرض بعد الجرح ) بأن جرحه ، ثم حصل للمجروح مرض ينشأ عنه الموت غالبا ، ثم مات ولم يدر أمات من الجرح ، أو من المرض ( أو ) لا يقتص ، وإنما ( عليه ) في الأربع مسائل ( نصف الدية ) في ماله ويضرب مائة ويحبس عاما ( قولان ) ، والقول بالقصاص في الأربع بقسامة ، والقول بنصف الدية بلا قسامة ، والراجح في شريك المرض القصاص في العمد ، والدية في الخطإ بالقسامة ( وإن ) ( تصادما ) أي المكلفان ، أو غيرهما ( أو تجاذبا ) حبلا ، أو غيره كأن جذب كل منهما يد صاحبه فسقطا ( مطلقا ) سواء كانا راكبين ، أو ماشيين ، أو مختلفين ولو بسفينتين على الراجح ( قصدا ) منهما ( فماتا ) معا فلا قصاص لفوات محله ( أو ) مات ( أحدهما ) فقط ( فالقود ) جواب للمسألتين ، وهو على حذف مضاف أي فأحكامه ثابتة بينهما وحكمه في موتهما نفيه وفي موت أحدهما ثبوته ومن أحكامه أنه إذا كان أحدهما بالغا ، والآخر صبيا فلا قصاص على الصبي ، أو كان أحدهما حرا ، والآخر رقيقا فلا يقتص للرقيق من الحر ويحكم بحكم القود أيضا فيما لو قصد أحدهما التصادم ، أو التجاذب [ ص: 248 ] دون الآخر ، وهو داخل في قوله قصدا ( وحملا عليه ) أي على القصد عند جهل الحال لا على الخطإ ، وإنما يظهر في موت أحدهما فقط للقصاص من الحي ( عكس ) ( السفينتين ) إذا تصادمتا فتلفتا ، أو إحداهما وجهل الحال فيحملان على عدم القصد فلا قود ولا ضمان ; لأن جريهما بالريح وليس من عمل أربابهما ، وهذه العلة تدل على أن المراد بعدم القصد هو العجز لا الخطأ ، وهو كذلك على الراجح وأما الخطأ ففيه الضمان فظهر أن لقوله عكس السفينتين فائدة حيث حمل على العجز وأما المتصادمان ففي العمد القود كما قال وفي الخطإ الضمان ولو سفينتين فيهما ولا شيء في العجز بل هدر ولو غير سفينتين كما أشار له بقوله ( إلا لعجز حقيقي ) أي إلا أن يكون تصادمهما لعجز حقيقي لا يستطيع كل منهما أن يصرف نفسه ، أو دابته عن الآخر فلا ضمان بل هدر ولا يحملان عند الجهل عليه بل على العمد كما تقدم ، لكن الراجح أن العجز الحقيقي في المتصادمين كالخطإ فيه ضمان الدية في النفس ، والقيم في الأموال بخلاف السفينتين ، فهدر وحملا عند الجهل عليه ; لأن جريهما بالريح كما تقدم ( لا لكخوف غرق ، أو ظلمة ) مخرج من قوله عكس السفينتين أي فإنهما يحملان على العجز عند الجهل فلا قود ولا ضمان [ ص: 249 ] ( إلا لكخوف غرق ، أو ظلمة ) ، فالضمان أي لا إن قدروا على الصرف فلم يصرفوا خوفا من غرق ، أو نهب ، أو أسر ، أو وقوع في ظلمة حتى تلفتا ، أو إحداهما ، أو ما فيهما من آدمي ، أو متاع فضمان الأموال في أموالهم ، والدية على عواقلهم ; لأن هذا ليس من العجز الحقيقي لقدرتهم على الصرف وليس لهم أن يسلموا بهلاك غيرهم ( وإلا ) يكن التصادم في غير السفينتين ، أو فيهما ، أو التجاذب قصدا بل خطأ ( فدية كل ) من الآدميين ( على عاقلة الآخر ) للخطإ ( و ) قيمة ( فرسه ) مثلا ، وإنما خص الفرس ; لأن التصادم غالبا يكون في ركوب الخيل ( في مال الآخر ) لا على عاقلته ; لأن العاقلة لا تحمل غير الدية ( كثمن العبد ) أي قيمته لا يكون على عاقلة ; لأنه مال بل في مال الحر ودية الحر في رقبة العبد حالة فإن تصادما فماتا فإن زادت دية الحر على قيمة العبد لم يضمن سيده الزائد ; لأنها تعلقت برقبة العبد ورقبته زالت ولو زادت قيمة العبد على دية الحر أخذ سيده الزائد من مال الحر حالا ( وإن ) ( تعدد المباشر ) للضرب معا ، أو مترتبا ( ففي الممالأة ) على القتل ( يقتل الجميع ) لا فرق بين الأقوى ضربا وغيره بل ولو لم يحصل من أحدهم ضرب كما مر ، وهذا إن مات مكانه ، أو أنفذ له مقتله ، أو رفع مغمورا حتى مات ، وإلا قتل واحد بقسامة ، وهذا مكرر مع قوله ، والمتمالئون كرره ليرتب عليه قوله ( وإلا ) يتمالئوا على قتله بأن قصد كل قتله بانفراده من غير اتفاقه مع غيره ، أو قصد كل ضربه بلا قصد قتل فمات ( قدم الأقوى ) فعلا حيث تميزت أفعالهم فيقتل ويقتص ممن جرح ، أو قطع ويؤدب من لم يجرح فإن لم تتميز الضربات بأن تساوت ، أو لم يعلم الأقوي قتل الجميع إن مات مكانه حقيقة ، أو حكما ، وإلا فواحد بقسامة
[ ص: 246 ] قوله : ويقتل المتسبب مع المباشر ) أي ولو لم يجتمعا في وقت الهلاك ( قوله : فرداه غيره فيها ) أي ولو من غير تمالؤ من الحافر ، والمردي ( قوله كمكره ومكره يقتلان معا ) محل قتل المكره بالفتح إن لم يكن أبا للمقتول ، وإلا قتل المكره بالكسر وحده وأما لو أكره الأب شخصا على قتل ولده فقتله فيقتل المكره بالفتح ، وكذا الأب إن أمره بذبحه ، أو شق جوفه سواء قتله بتلك الكيفية ، أو بغيرها كأن قتله بحضرته ، أو لا ، وكذا إذا أمره بمطلق قتل فذبحه ، أو شق جوفه بحضرته مع قدرته على منعه من تلك الكيفية ولم يمنع لا إن حضر ولم يقدر على منعه منها ولا إن فعلها في غيبته ( قوله : وليس في كلامه تكرار إلخ ) أي حاصله أن الجناية أي الإتلاف الموجب للقصاص ضربان إتلاف بمباشرة ، وإتلاف بالسبب فذكر المصنف أولا أمثلة الإتلاف بالمباشرة بقوله إن قصد ضربا كخنق ومنع طعام وشراب ومثقل وكطرح غير محسن للعوم ، ثم ذكر أمثلة الضرب الثاني ، وهو الإتلاف بالسبب بقوله وكحفر بئر إلخ وكإكراه وكإمساك للقتل ، ثم ذكر هنا أنه إذا اجتمعت المباشرة ، والسبب ، فالقصاص على كل من المباشر ، والمتسبب ولا يختص بواحد منهما .
( قوله : وكأب ، أو معلم إلخ ) قال ابن مرزوق هذا الفصل من قوله ويقتل الجمع بواحد كله في قتل الجماعة بواحد فحقه أن لا يذكر فيه إلا مسألة السيد في عبده الكبير ويقدم مسألة الأب ، والمعلم ، والسيد في عبده الصغير قبل هذا عند ذكر الإكراه ا هـبن ( قوله : أمر ولدا صغيرا ) أي أمر كل منهما ولدا صغيرا ولو مراهقا ، فالمراد بالصغير غير البالغ ( قوله : فالقصاص على الأب ، أو المعلم دون الصغير إلخ ) أي وعلى عاقلة الصغير إذا كان حرا نصف الدية فإن كثر الصبيان الأحرار كان نصف الدية على عواقلهم ، وإن لم تحمل كل عاقلة ثلثا ، وهذا مستثنى من كون العاقلة لا تحمل ما دون الثلث ( قوله : أمر عبدا له ) التقييد بعبده مخرج لأمر عبد غيره فيقتل العبد البالغ دون الآمر ، لكن يضرب مائة ويحبس سنة ، وكذا إن أمر الأب ، أو المعلم كبيرا وكل هذا من مشمولات قول المصنف ، وإن لم يخف المأمور اقتص منه فقط .
( قوله : ويقتل العبد أيضا إن كان مكلفا ) أي لا إن كان صغيرا فلا يقتل وعليه نصف الدية جناية في رقبته فيخير سيده الوارث له بين أن يفديه بنصف الدية ، أو يدفعه في الجناية كذا في عبق والذي ذكره شيخنا في حاشية خش أن الصغير لا شيء عليه على ظاهر النقل ( قوله فإن لم يخف المأمور اقتص منه فقط ) هذا إذا لم يكن الآمر حاضرا للقتل ، وإلا قتل أيضا هذا لمباشرته ، وهذا لقدرته على خلاصه ( قوله : عند الخوف بالقتل إلخ ) أشار بهذا إلى أن خوف المأمور الموجب لقتل الآمر فقط إنما هو الخوف بالقتل لا بشدة الأذى وغيره خلافا لما في خش ، فهو كالخوف المجوز للقدوم على قذف المسلم ( قوله : فإن لم يتمالآ على قتله وتعمدا قتله إلخ ) حاصله أن المكلف ، والصبي إذا تعمد كل منهما قتل ذلك الشخص وقتلاه من غير تمالؤ واتفاق منهما على قتله فلا قتل على المكلف المشارك للصبي في القتل لاحتمال كون رمي الصبي هو القاتل ، وإنما عليه نصف الدية في ماله ونصفها الآخر على عاقلة الصبي إلا أن يدعي أولياء المقتول أنه مات من فعل المكلف فإنهم يقسمون عليه ويقتلونه فيسقط نصف الدية عن عاقلة الصبي ; لأن القسامة إنما يقتل بها ويستحق بها واحد فقول الشارح فإن لم يتمالآ على قتله وتعمدا قتله ، أو الكبير فعليه إلخ مقيد بما إذا لم يدع [ ص: 247 ] الأولياء موته من فعل المكلف كما علمت .
( قوله : لا شريك مخطئ ) أي لا قصاص على متعمد شريك مخطئ ( قوله : فلا يقتص منه ) أي للشك لاحتمال أن يكون الموت من رمي المخطئ ، أو المجنون وظاهره أنه لا يقتص منه ولو أقسم الأولياء على أن القتل منه ، وهو كذلك كما في عج ; لأنه لا صارف لفعلهما فيمكن حصول الموت من فعلهما معا لشدة فعل المخطئ ، والمجنون بخلاف فعل الصبي ( قوله : وعلى المتعمد الكبير ) أي المشارك للمخطئ ، والمجنون .
( قوله : من شريك سبع ) أي أنشب أظفاره في الشخص بالفعل ، ثم جاء إنسان فأجهز عليه ( قوله : ومرض بعد الجرح ) أي ، وهل يقتص من شريك مرض حدث ذلك المرض بعد الجرح ( قوله ، أو لا يقتص ) أي ، أو لا يقتص من واحد من الأربعة ; إذ لا يدرى من أي الأمرين مات وجعل المصنف محل الخلاف في الرابعة إذا حدث المرض بعد الجرح احترازا عما إذا كان المرض قبل الجرح فإنه يقتص من الجارح اتفاقا أنفذ الجرح مقتله أم لا إلا أنه في الأول بغير قسامة وفي الثاني بقسامة هذا ما استظهره الشيخ أحمد الزرقاني وارتضاه بن قائلا ; لأنه صحيح قتل مريضا وقد مر للمصنف وذكر وصحيح وضديهما خلافا لقول عج إن مرض قبل الجرح فلا قصاص اتفاقا ; لأن الغالب أن الموت من المرض ، والجرح هيجه .
( قوله : والراجح في شريك المرض إلخ ) أي أن الراجح في شريك المرض الحادث بعد الجرح القسامة ويثبت القود في العمد وكل الدية في الخطإ أي وأما المسائل الثلاثة الأول ، فالقولان فيها على حد سواء كما قرره شيخنا ( قوله : وإن تصادما إلخ ) حاصل هذه المسألة أن يقال إذا تصادما قصدا أي عمدا ، فالقود مطلقا ولو بسفينتين على الراجح بمعنى أنه إذا مات أحدهما ، فالقود على من بقي وأما إذا ماتا معا فلا قود ولا دية ، وإن تصادما خطأ ، فالدية على العاقلة ولو بسفينتين بمعنى أن دية كل منهما على عاقلة الآخر إن ماتا معا ، وإن مات أحدهما فديته على عاقلة من بقي منهما ، وإن كان عجزا فيحمل في غير السفينتين على الخطإ وفي السفينتين يكون هدرا هذا هو الراجح وقيل يكون هدرا مطلقا حتى في غير السفينتين ، وإن جهل الحال حمل في غير السفينتين على العمد وفيهما على العجز .
( قوله : ولو بسفينتين على الراجح ) أي كما قاله أبو الحسن واختاره ح خلافا لما قاله بعضهم من أنه لا قود في السفينتين ولو كان تصادمهما عمدا نعم إن تصادما عمدا فدية عمد ، وإن تصادما خطأ فدية خطإ وقد استشكله ح بأنه يقتضي أنه إذا تعمد أهل سفينة إغراق أهل سفينة أخرى ليس عليهم إلا الدية ، والظاهر أنه يجب في ذلك القصاص ; لأنه كطرح غير محسن للعوم في البحر .
( قوله : قصدا ) أي عمدا بأن كان على وجه اللعب ولذا قال العلامة بن تعبيره بقصدا يفيد بأن التجاذب بغير مصلحة صنعة ، وإلا فلا قصاص ولا دية كما يقع بين صناع الحبال فإذا تجاذب صانعان حبلا لإصلاحه فماتا ، أو أحدهما ، فهو هدر ( قوله : جواب المسألتين ) أي ما إذا ماتا ، أو أحدهما ( قوله : وهو على حذف مضاف ) أي حتى يصح أن يكون جوابا للمسألتين .
( قوله : فلا قصاص على الصبي ) أي إن مات البالغ وعلى عاقلته دية الكبير الميت كما أنه لو تصادم الصبيان فدية كل منهما على عاقلة الآخر إن ماتا ، وإن مات أحدهما فديته على عاقلة من لم يمت .
والحاصل أن الدية على عواقل الصبيان مطلقا حصل التصادم ، أو التجاذب منهم قصدا ، أو لا ، ركبا بأنفسهما ، أو أركبهما أولياؤهما وذلك ; لأن فعل الصبيان عمدا حكمه كالخطإ ( قوله : فلا يقتص للرقيق من الحر ) أي بل يلزم [ ص: 248 ] الحر قيمته حيث مات .
( قوله : دون الآخر ) أي فيقتص من القاصد إن مات غيره ، وإن مات القاصد فعلى عاقلة غيره ديته ( قوله : عند جهل الحال ) أي بأن لم يدر هل ما وقع بينهما صدر عن قصد ، أو لا ( قوله ، وإنما يظهر في موت أحدهما فقط ) أي ، وإنما تظهر ثمرة حملهما على العمد عند جهل الحال في موت أحدهما فقط كذا قال الشارح وفيه نظر بل تظهر أيضا في موتهما معا ; لأن حملهما حينئذ على القصد يوجب إهدار دمهما لفوات محل القود ولا دية ، وإن حملا على الخطإ لوجبت دية كل على عاقلة الآخر ا هـ بن ( قوله : عكس السفينتين ) راجع لقوله وحملا عليه كما أشار له الشارح لا له ولقوله ، فالقود بناء على ما قاله أبو الحسن وارتضاه ح من أن التصادم بالسفينتين عمدا فيه القود أما على ما قاله بعضهم من أن السفينتين لا قود فيهما ولو كان تصادمهما عمدا فيصح رجوعه لقوله ، فالقود ولقوله وحملا عليه ، والمعنى حينئذ ، وإن تصادما عمدا ، فالقود عكس السفينتين فإنه لا قود فيهما إذا تصادما ولو قصدا وحمل المتصادمان على القصد عند جهل الحال عكس السفينتين فإنهما يحملان على العجز عند جهل الحال .
( قوله : فيحملان على عدم القصد إلخ ) الأولى أن يقول فلا يحملان على العمد بل على العجز وحينئذ فيكون هدرا لا دية فيه ولا ضمان للأموال ، وإنما كان الأولى ذلك ; لأن عدم القصد يصدق بالخطإ ، والسفينتان لا يحملان على الخطإ عند جهل الحال ، وإن كان الشارح قد بين المراد من عدم القصد بعد .
والحاصل أن السفينتين لا يحملان عند جهل الحال على العمد ولا على الخطإ بل على العجز ( قوله : وليس من عمل أربابهما ) أي بخلاف الفارسين ، وهذا إشارة للفرق بين الفارسين ، والسفينتين إذا تصادما وجهل الحال حيث حمل الفارسان على العمد ، والسفينتان على العجز .
( قوله : وأما الخطأ ) لما ذكر حكم التصادم عمدا وحكمه عند جهل الحال أشار لحكمه إذا وقع خطأ بأن كان من فعل النواتية ، أو راكب الفرس من غير قصد له فقال وأما الخطأ أي وأما التصادم الخطأ ففيه الضمان أي لقيم الأموال ولديات النفوس ، وهذا القسم سيأتي في كلام المصنف فلا داعي لذكر الشارح له هنا إلا ضم الأقسام بعضها لبعض لسهولة الضبط ( قوله : حيث حمل ) أي التصادم فيهما عند جهل الحال على العجز أي وأما إذا حمل على الخطإ فلا فائدة فيه وفيه نظر ; لأن له فائدة مطلقا ; لأنه إن حمل على الخطإ كان موجبا للضمان ، وإن حمل على العجز كان موجبا لسقوطه ، فالأولى للشارح أن يحذف قوله فظهر إلخ تأمل .
( قوله وأما المتصادمان إلخ ) هذا شبه حاصل لما تقدم فكأنه قال ، والحاصل أن المتصادمين في العمد إلخ ( قوله : ولا شيء في العجز ) أي ، وهو ما كان من الريح بالنسبة للسفينة ومن الفرس لا من راكبها ( قوله : ولو غير سفينتين ) أي لقول ابن عبد السلام إذا جمح الفرس ولم يقدر ربه على صرفه فلا ضمان ( قوله إلا لعجز حقيقي ) هذا الاستثناء راجع للمتصادمين أي ، وإن تصادما قصدا فماتا ، أو أحدهما ، فالقود إلا لعجز حقيقي فيكون من مات هدرا ، وهو منقطع ; لأن ما قبل إلا مقيد بالقصد ، والتصادم عند العجز لا يقال فيه أنه قصد ولا يصح رجوعه لقوله عكس السفينتين لفساد المعنى ; إذ يصير المعنى عكس السفينتين أي فإنهما يحملان على العجز عند الجهل إلا لعجز حقيقي فإنهما يحملان على القصد ، وهو فاسد .
( قوله ، لكن الراجح أن العجز الحقيقي ) أي ، وهو ما كان بالريح ، أو الفرس مثلا وقوله في المتصادمين أي بغير السفينتين وقوله كالخطإ فيه ضمان الدية إلخ أي لقول ابن عرفة قول ابن عبد السلام إن جمح الفرس ولم يقدر راكبه على صرفه فإنه لا يضمن يرد بقول المدونة إذا جمحت دابة براكبها فوطئت إنسانا ، فهو ضامن وبقولها إن كان في رأس الفرس اغترام فحمل بصاحبه فصدم فراكبه ضامن .
( قوله : وحملا عند الجهل عليه ) أي [ ص: 249 ] وحملت السفينتان عند الجهل على العجز . ( قوله : إلا لكخوف غرق ) أي إلا أن يكون تصادمهما لكخوف غرق ( قوله : بل خطأ ) أي بل حصل التصادم خطأ منهما فدية كل إلخ وبقي ما إذا تعمد أحدهما التصادم وأخطأ الآخر فإن مات أحدهما وكان ذلك الميت هو المتعمد ، فالدية على عاقلة المخطئ ، وإن كان الميت هو المخطئ اقتص من المتعمد ، وإن ماتا معا فقال البساطي دية المخطئ في مال المتعمد ودية المتعمد على عاقلة المخطئ ولا يقال المتعمد دمه هدر فمقتضاه أنه لا يلزم عاقلة المخطئ ديته ; لأنا نقول إنما يكون دمه هدرا إذا تحقق أن موت المخطئ من فعل ذلك المتعمد وحده ، وهنا ليس كذلك ; إذ يحتمل أن يكون من فعلهما معا ، أو من فعل المخطئ وحده ، أو من المتعمد وحده لا يقال من صال على شخص قاصدا قتله وعلم المصول عليه أنه لا يندفع عنه إلا بالقتل فقتله كان دمه هدرا لا شيء فيه فمقتضاه أن قاصد المصادمة دمه هدر لا يلزم عاقلة المخطئ ديته ; لأنا نقول قاصد المصادمة لم يقصد القتل ولا يلزم منها القتل ففرق بينهما .
( تنبيه )
من الخطإ على الظاهر أن يزلق إنسان فيمسك آخر ، ثم هو يمسك ثانيا ، وهكذا فيقع الجميع ويموتون ، فالأول هدر ودية الثاني على عاقلة الأول ودية الثالث عليهما ( قوله : وإنما خص الفرس ) أي بالذكر مع أن مثلها كل ما تلف بسبب التصادم ( قوله : لأن التصادم إلخ ) كان عليه أن يزيد ، والغالب أن الذي يتلف عند المصادمة هو المركوب فتأمل ( قوله فإن تصادما ) أي العبد والحر عمدا ، أو خطأ فماتا ففيهما ما ذكر ويتقاصان فإن زادت إلخ .
( قوله : وإن تعدد المباشر للضرب معا ) أي كان ضربهم معا ، أو مرتبا ( قوله : ففي الممالأة يقتل الجميع ) هذا إذا لم تتميز الضربات بل ولو تميزت وكان بعضها أقوى ( قوله بل ولو لم يحصل من أحدهم ضرب ) أشار بذلك إلى أنه لا مفهوم لقوله تعدد المباشر ، وإنما هو فرض مسألة ; إذ مع التمالؤ على القتل يقتل الجميع لا فرق بين أن تحصل مباشرة من الجميع ، أو لا تحصل إلا من واحد ولو حذف المصنف قوله ، وإن تعدد المباشر وقال من أول الأمر وفي الممالأة يقتل الجميع كان ، أولى .
( قوله : فمات ) أي فضربوه فمات ( قوله قدم الأقوى فعلا ) أي ، وهو من مات من فعله بأن أنفذ مقتلا ، وإن لم يكن فعله أشد من فعل غيره ( قوله : أو حكما ) أي بأن أنفذ مقتله ، أو رفع مغمورا واستمر مدة ومات وقوله ، وإلا فواحد إلخ أي ، وإلا يمت مكانه حقيقة ، أو حكما بأن رفع حيا غير مغمور ولا منفوذ المقاتل فيقتل واحد بقسامة ، وهذا ما في النوادر ، وهو المعتمد خلافا لقول اللخمي إذا لم يعلم الأقوى سقط القصاص سواء مات مكانه ، أو رفع حيا غير مغمور ومات بعد ذلك