[ ص: 359 ] [ درس ] { باب } ذكر فيه أحكام العتق وما يتعلق به يقال عتق يعتق من باب ضرب ودخل وهو لازم يتعدى بالهمزة فلا يقال عتق السيد عبده بل أعتقه ولا يقال عتق العبد بضم المهملة بل أعتق بضم الهمزة والعتق مندوب وهو من أعظم القرب ولذا جعل كفارة للقتل وكثير من الفقهاء يذكره بعد ربع العبادات نظرا ; لأنه قربة .
والمصنف كغيره ذكره بعد الدماء والحدود ; لأنه يكون كفارة للجنايات إما وجوبا أو ندبا وللإشارة إلى أنه ينبغي لمن وقعت منه جناية وتاب أن يعتق رقبة لتكون له كفارة كما في الحديث . وأركانه ثلاث معتق بالكسر ومعتق بالفتح وصيغة وأشار للأول بقوله ( إنما يصح ) أي صحة تامة بمعنى اللزوم أي إنما يلزم ( إعتاق مكلف ) من إضافة المصدر لفاعله ويدخل في المكلف السكران فيصح عتقه على المشهور لتشوف الشارع للحرية وتقدم أنه يلزم طلاقه ولا تصح هبته وخرج بالمكلف الصبي والمجنون فلا يصح عتقهما ووصف المكلف بقوله ( بلا حجر ) عليه فيما أعتقه فالزوجة والمريض محجور عليهما فيما زاد على ثلثهما فيصح عتقهما في الثلث لا فيما زاد عليه ولا يصح عتق السفيه إلا لأم ولده ; لأنه ليس له فيها إلا الاستمتاع ويسير الخدمة ( و ) بلا ( إحاطة دين ) بماله ، فإن أحاط به لم يصح عتقه بمعنى لم يلزم كما تقدم ( ولغريمه ) أي غريم من أحاط الدين بماله ( رده ) أي العتق [ ص: 360 ] إن استغرق الدين جميعه ( أو ) رد ( بعضه ) إن لم يستغرق الجميع كأن يكون عليه عشرة وعنده عبد يساوي عشرين فأعتقه فلرب الدين أن يرد ما قابل دينه وهو عشرة فيباع من الرقيق بقدر العشرة قل أو كثر إن وجد من يشتري البعض وإلا رد الجميع .
( إلا أن يعلم ) رب الدين المحيط بالعتق ولم يرده ( أو يطول ) زمن العتق ، وإن لم يعلم ، فإن العتق يصح والطول عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن يشتهر بالحرية وتثبت لها أحكامها بالموارثة وقبول شهادته وعند ابن عبد الحكم أن يزيد زمنه على أربع سنين بخلاف هبة المدين وصدقته فيردان ولو طال الزمان والفرق أن الشارع في العتق متشوف للحرية ( أو ) إلا أن ( يفيد ) السيد ( مالا ) يفي بالدين الذي عليه ولم يرد العتق حتى أعسر فلا رد له ( ولو ) كانت إفادة المال ( قبل نفوذ البيع ) كما إذا كان البيع على الخيار بأن رد السلطان عتق المديان وباع عليه العبد ومعلوم أن بيعه على الخيار ثلاثة أيام فقبل مضي أيام الخيار أفاد السيد مالا يفي بدينه ، فإن عتقه يمضي وليس للغريم رده وهذا مبني على أن رد الحاكم رد إيقاف وكذا رد الغرماء .
وأما رد الوصي فرد إبطال وكذا السيد على المشهور وأما رد الزوج تبرع زوجته بزائد الثلث فقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب إبطال وقال ابن القاسم لا إبطال ولا إيقاف لقولها في النكاح الثاني لو رد عتقها ثم طلقها لم يقض عليها العتق ولا ينبغي لها ملكه انتهى أي فلو كان إبطالا لجاز لها ملكه ولم يطلب منها تنفيذ عتقه وقد يقال هو إبطال كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب .
ولكن لما كانت نجزت عتقه حال الحجر طلب منها ندبا تنفيذه عند زوال الحجر ورد السلطان إن كان للغرماء فإيقاف ، وإن كان للسفيه فإبطال لتنزيله منزلة الوصي
[ ص: 359 ] باب في العتق ) ( قوله : إما وجوبا ) أي في قتل الخطأ وقوله أو ندبا أي في قتل العمد كما مر ( قوله : لتكون له كفارة ) أي لما جناه ( قوله : كما في الحديث ) أي الوارد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=21970من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج } كذا في الصحيحين ( قوله : وأركانه ) أي العتق الذي هو تحرير مكلف رقيقا لم يتعلق به حق لازم والمراد بأركانه ما تتوقف عليها حقيقته المذكورة لا ما كان داخلا في ماهيته وإلا لكان كل من المعتق والمعتق جزءا للعتق وهو باطل إذ لا يحملان عليه كما يحمل الحيوان والناطق على الإنسان ( قوله : أي إنما يلزم إلخ ) دفع الشارح بهذا بحث ابن مرزوق حيث قال : لو قال المصنف إنما يلزم كان أولى لصحة عتق بعض المحجور عليهم إذا أجازه من له الحق ولو كان غير صحيح ابتداء لما تم ا هـ قال ح ويرد على كون يصح بمعنى يلزم الكافر ، فإنه إذا أعتق عبده الكافر لا يلزمه عتقه مع أنه يصدق عليه أنه مكلف لا حجر عليه ; لأن الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة انظر بن .
والحاصل أن الذي يلزمه عتقه إنما هو المكلف المسلم الذي لا حجر عليه ، وأما الكافر فله الرجوع في عتق عبده الكافر إلا إذا بان منه العبد أو أسلم أحدهما وإلا لزم العتق ( قوله : ويدخل في المكلف السكران ) أي بحرام لا بحلال ; لأنه كالمجنون اتفاقا ( قوله : فيصح عتقه على المشهور ) أي وقيل لا يصح الخلاف في السكران المختلط الذي عنده ضرب من العقل ، وأما الطافح الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فهذا لا خلاف في أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله فيما بينه وبين الله وفيما بينه وبين الناس إلا ما ذهب وقته من الصلوات ، فإنه لا يسقط عنه بخلاف المجنون كما نقل ذلك ح عن nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد أول البيوع وذكر ح أيضا أن التفصيل الذي في قول القائل :
لا يلزم السكران إقرار عقود بل ما جنى عتق طلاق وحدود
إنما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد في السكران المختلط الذي معه ضرب من العقل قال وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وعامة أصحابه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب انظر بن .
( قوله وتقدم أنه يلزم طلاقه ) أي كما يلزمه عتقه ويلزمه أيضا الجنايات والحدود ( قوله : ولا تصح هبته ) أي وكذا سائر عقوده وإقراراته ( قوله : وخرج بالمكلف الصبي والمجنون فلا يصح عتقهما ) أي فلو علق الصبي العتق على شيء وحصل المعلق عليه بعد بلوغه فلا يلزمه العتق قطعا نظرا لكونه حين التعليق غير مكلف ( قوله : ووصف المكلف إلخ ) أي وحينئذ فالمعنى إنما يصح إعتاق مكلف ملتبس بعدم الحجر عليه فيما يعتقه فلو علق السفيه العتق على شيء فحصل المعلق عليه وهو رشيد فخلاف والأظهر لا يلزمه ( قوله : فالزوجة والمريض إلخ ) أشار الشارح بهذا إلا أنه ليس مراد المصنف بقوله بلا حجر نفي الحجر من كل وجه وإلا كان قوله وإحاطة دين مكررا معه ; لأن الحجر أعم من إحاطة الدين إذ كل من أحاط الدين بماله فهو محجور عليه في التبرعات ويلزم من نفي الأعم نفي الأخص ، وإنما المراد نفي الحجر الخاص بالسفيه والزوجة والمريض فيما زاد على ثلثهما حينئذ فلا يغني قوله بلا حجر عن قوله وإحاطة دين .
( قوله : فيصح عتقهما في الثلث ) أي يلزم فيه ، وأما فيما زاد عليه فلزومه متوقف على الإجازة ، وإن كان صحيحا بدونها ( قوله : ولا يصح عتق السفيه ) أي لا يلزم ، وإن كان صحيحا فله إمضاؤه إذا رشد ما لم يكن رده وليه قبله ( قوله : لأنه ليس له فيها إلخ ) أي وحينئذ فهو غير محجور عليه في عتقها ( قوله : بمعنى لم يلزم ) أي وإن كان صحيحا ، فإن كانت الديون التي استغرقت ذمته من تبعات لا يعلم أربابها بمضي العتق ولا يرد ويكون [ ص: 360 ] الأجر لأرباب الديون والولاء لجماعة المسلمين كذا في بن عن nindex.php?page=showalam&ids=13170ابن رشد .
( قوله : إن استغرق الدين جميعه ) أي جميع العبد المعتق ( قوله : إن لم يستغرق الجميع ) أي جميع العبد من هذا تعلم أن قول المصنف وبلا إحاطة دين معناه وبلا إحاطة دين بالعبد أو بعضه وأن قوله ولغريمه رده أو بعضه على التوزيع من باب صرف الكلام لما يصلح له واعلم أن الإحاطة بها وعدمها تعتبر يوم العتق كما يفيده كلام المدونة لا يوم رده خلافا لعبق انظر بن ( قوله : فيباع من الرقيق بقدر العشرة ) أي ويعتق الباقي .
( قوله : قل ) أي ما قابل العشرة من العبد أو كثر ( قوله : ولم يرده ) أي حين علمه فلا رد له بعد ذلك ( قوله : أو يطول زمن العتق ) أي مع حضور رب الدين وعدم غيبته ( قوله : وإن لم يعلم ) أي والحال أنه لم يعلم أي الغريم فالطول وحده كاف ولا ينظر لقول الغرماء لم نعلم كما في ابن عرفة وغيره إما لأن الطول مظنة للعلم وإما لاحتمال أن السيد استفاد مالا في تلك المدة .
( قوله : بخلاف هبة المدين وصدقته ) أي ومثلهما وقفه ( قوله : ولو كانت إفادة المال قبل نفوذ البيع ) أي فليس للغريم رد العتق بل يمضي ( قوله فقبل مضي أيام الخيار . . . إلخ ) ، وأما لو استفاد المال بعد نفوذ البيع بأن استفاده بعد مضي أيام الخيار فلا يرد البيع ويرد العتق وهذا كله إذا كان البائع السلطان كما صور به الشارح ومثله إذا كان البائع المفلس أو الغرماء بإذن السلطان ، وأما لو كان البائع المفلس أو الغرماء بغير إذنه فيرد البيع حتى بعد نفوذه أيضا حيث استفاد المدين مالا كما في ح .
( قوله : وهذا ) أي ما ذكره المصنف من رد البيع ونفوذ العتق حيث استفاد المدين مالا قدر الدين قبل نفوذ البيع مبني على أن رد الحاكم أي لتبرع المدين رد إيقاف وقد أشار ابن غازي لضبط جميع أقسام الرد بقوله :
أبطل صنيع العبد والسفيه برد مولاه ومن يليه وأوقفن رد الغريم واختلف في الزوج والقاضي كمبدل عرف
( قوله : وكذا رد الغرماء ) أي لتبرع المدين .
( قوله : وأما رد الوصي ) أراد به ولي السفيه أي وأما رد ولي السفيه لتبرعه وليس المراد به وصي الصغير ; لأن تبرع الصغير باطل من أصله فلا يحتاج لرد من الوصي ( قوله : وأما رد الزوج إلخ ) ومثل رد الوارث تبرع المريض بزائد الثلث إذا كان الرد قبل الموت ( قوله : لو رد عتقها ) أي لو رد الزوج عتقها لعبدها ( قوله : أي فلو كان إلخ ) حاصله أنه لو كان رد الزوج إبطالا لعتقها لم يقض عليهما بالعتق بعد طلاقها وكان لها تملك ذلك العبد ولو كان إيقافا لقضي عليها بالعتق ولم يكن لها تملكه فلما حكم بعد القضاء عليها بالعتق وبعدم التملك علم أن ذلك الرد ليس إبطالا ولا إيقافا