وأما المقدمة الثانية : فللعلماء في
جلود الميتة سبعة مذاهب : أحدها لا يطهر بالدباغ شيء منها ، روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وابنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، وهو أشهر الروايتين عن
أحمد ، ورواية عن
مالك .
والثاني : يطهر بالدبغ جلد مأكول اللحم دون غيره ، وهو
[ ص: 14 ] مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ،
وابن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ، ورواية
أشهب عن
مالك .
والثالث : يطهر به كل جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وحكوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود .
والرابع : يطهر به الجميع إلا جلد الخنزير ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، ورواية عن
مالك حكاها
ابن القطان .
والخامس : يطهر الجميع حتى =الكلب والخنزير إلا أنه يطهر ظاهره دون باطنه فيستعمل في اليابس دون الرطب ويصلى عليه لا فيه ، وهو مذهب
مالك فيما حكاه أصحابنا عنه .
والسادس : يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير ظاهرا وباطنا . قاله
داود وأهل الظاهر وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي عن
أبي يوسف وحكاه غيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون من المالكية .
والسابع : ينتفع بجلود الميتة بلا دباغ ويجوز استعمالها في الرطب واليابس - حكوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري . واحتج أصحاب المذهب الأول بأشياء منها قوله تعالى : (
حرمت عليكم الميتة ) ، وهو عام في الجلد وغيره ، وبحديث
nindex.php?page=showalam&ids=4939عبد الله بن عكيم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004719أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر " أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ، ولا عصب " وهذا الحديث هو عمدتهم ، وقد أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في
حرملة ،
وأحمد في مسنده ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في تاريخه ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، وغيرهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : سمعت
أحمد بن الحسين يقول : كان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث
ابن عكيم هذا لقوله قبل وفاته بشهر ، وكان يقول هذا آخر الأمر .
قالوا : ولأنه جزء من الميتة ، فلا يطهر بشيء كاللحم وأن المعنى الذي نجس به هو الموت ، وهو ملازم له لا يزول بالدبغ ، ولا يتغير الحكم .
واحتج أصحاب المذهب الثالث بما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004720إذا دبغ الإهاب فقد طهر " ، وفي لفظ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004721أيما إهاب دبغ فقد طهر " وبما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=16004722أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة ، فقال : " هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به " قالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة . قال : " إنما حرم أكلها " ، وبما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال : ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ، ثم ما زلنا ننتبذ فيه حتى صار شنا .
روى
أبو يعلى في مسنده بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004723ماتت شاة nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة فقالت : [ ص: 15 ] يا رسول الله ، ماتت فلانة . يعني الشاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهلا أخذتم مسكها ؟ " قالت : نأخذ مسك شاة قد ماتت " - فذكر تمام الحديث كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وروى
مالك في الموطأ ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بأسانيد حسنة عن
عائشة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004724أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت .
وروى
أحمد في مسنده ،
nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة في صحيحه ،
والحاكم في المستدرك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في سننه وصححاه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004725أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سقاء فقيل له : أنه ميتة فقال : ( دباغه يذهب بخبثه - أو نجسه ، أو رجسه ) .
وروى
أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد صحيح من طريق
جون بن قتادة ، عن
سلمة بن المحبق :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004726أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة قالت : ما عندي إلا ماء في قربة لي ميتة . قال : ( أليس قد دبغتها ؟ ) قالت : بلى . قال : ( فإن دباغها ذكاتها ) .
وروى
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني عن
ميمونة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004727مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجال يجرون شاة لهم مثل الحمار ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو أخذتم إهابها ) قالوا : إنها ميتة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يطهرها الماء ، والقرظ ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في سننهما بسند حسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004728مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة ، فقال : هلا انتفعتم بإهابها ؟ . فقالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة قال : ( إنما حرم أكلها ، أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها ) ، وفي لفظ عند
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004729إنما حرم من الميتة أكلها ) ، وفي لفظ عنده قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004730إنما حرم لحمها ودباغ إهابها طهوره ) ، وفي لفظ عنده قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004731إنما حرم عليكم لحمها ورخص لكم في مسكها ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : هذه أسانيد صحاح ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004732ذكاة الميتة دباغها ) ، وفي لفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004733طهورها دباغها ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004734دباغ كل إهاب طهوره ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بسند صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004721أيما إهاب دبغ فقد طهر ) .
وروى
الخطيب في تلخيص المتشابه من حديث
جابر مثله ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير والأوسط عن
أبي أمامة nindex.php?page=hadith&LINKID=16004735أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مغازيه فمر بأهل أبيات من العرب فأرسل إليهم ( هل من ماء لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ) فقالوا : ما عندنا ماء إلا في إهاب ميتة دبغناها بلبن . [ ص: 16 ] فأرسل إليهم ( أن دباغه طهوره ) فأتي به فتوضأ ، ثم صلى ، وروى
أبو يعلى في مسنده
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004736عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : يا بني ، ادع لي من هذه الدار بوضوء . فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب وضوءا . فقالوا : أخبره أن دلونا جلد ميتة ، فقال : سلهم : هل دبغوه ؟ قالوا : نعم . قال : ( فإن دباغه طهوره ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004737مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة . فقال : ( ما ضر أهل هذه لو انتفعوا بإهابها ؟ ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير عن
سنان بن سلمة nindex.php?page=hadith&LINKID=16004738أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على جذعة ميتة ، فقال : ( ما ضر أهل هذه لو انتفعوا بمسكها ؟ ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=16004739أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شاة ، فقال : ما هذه ؟ فقالوا : ميتة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ادبغوا إهابها ، فإن دباغه طهوره ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004740دباغ جلود الميتة طهورها ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن
عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004741طهور الأديم دباغه ) .
وروى
أبو يعلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ،
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني nindex.php?page=hadith&LINKID=16004742عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة : أنها كانت لها شاة فماتت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أفلا انتفعتم بإهابها ؟ ) قلنا : إنها ميتة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن دباغها يحل كما يحل الخل من الخمر ) .
وروى
أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004743طلب النبي صلى الله عليه وسلم ماء من امرأة أعرابية فقالت : هذه القربة مسك ميتة ، ولا أحب أنجس به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : ارجع إليها ، فإن كانت دبغتها ، فهو طهورها . فرجعت إليها فقالت : لقد دبغتها فأتيته بماء منها .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=16004744أن النبي صلى الله عليه وسلم استوهب وضوءا فقيل له : لم نجد ذلك إلا في مسك ميتة ، فقال : ( أدبغتموه ) ؟ قالوا : نعم . قال : ( فهلم ، فإن ذلك طهوره ) .
وروى
الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004745كنا نصيب مع النبي صلى الله عليه وسلم في مغانمنا من المشركين الأسقية والأوعية فنقسمها ، كلها ميتة .
وبالقياس ; لأنه جلد طاهر طرأت عليه نجاسة فجاز أن يطهر كجلد المذكاة إذا تنجس .
وأجابوا عن احتجاج الأولين بالآية بأنها عامة خصصتها السنة ، وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=4939عبد الله بن عكيم فأجاب عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وجماعة من الحفاظ بأنه مرسل ،
وابن عكيم ليس بصحابي ، وكذا قال
أبو حاتم ، وقال
ابن دقيق العيد : روي أن
إسحاق بن راهويه ناظر
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : دباغها طهورها ، فقال له
إسحاق : ما الدليل ؟ فقال : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004746هلا انتفعتم بإهابها ؟ ) ، فقال له
إسحاق : حديث
ابن [ ص: 17 ] عكيم nindex.php?page=hadith&LINKID=16004747كتب إلينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن : ( لا تنتفعوا بشيء من الميتة بإهاب ، ولا عصب ) ، فهذا يشبه أن يكون ناسخا لحديث
ميمونة ; لأنه قبل موته بشهر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : هذا كتاب وذاك سماع ، فقال
إسحاق : إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى
كسرى وقيصر وكانت حجة عليهم عند الله فسكت
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فلما سمع ذلك
أحمد ذهب إلى حديث
ابن عكيم ، وأفتى به ، ورجع
إسحاق إلى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقال
ابن دقيق العيد : كان والدي يحكي عن الحافظ
أبي الحسن المقدسي ، وكان من أئمة المالكية أنه كان يرى أن حجة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي باقية ، يريد ; لأن الكلام في الترجيح بالسماع والكتاب ، لا في إبطال الاستدلال بالكتاب .
وقال
الخطابي : مذهب عامة العلماء جواز الدباغ والحكم بطهارة الإهاب إذا دبغ ووهنوا هذا الحديث ; لأن
ابن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم قال : وقد يحتمل إن ثبت الحديث أن يكون النهي إنما جاء عن الانتفاع بها قبل الدباغ ، فلا يجوز أن نترك به الأخبار الصحيحة التي قد جاءت في الدباغ وأن يحمل على النسخ ، وقال غيره : قد عللوا حديث
ابن عكيم بأنه مضطرب في إسناده حيث روى بعضهم ، فقال : عن
ابن عكيم عن أشياخ من
جهينة كذا حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وهؤلاء الأشياخ مجهولون لم تثبت صحبتهم ، وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل أنه كان يذهب إلى هذا الحديث ، ثم تركه لهذا الاضطراب ، وقال
الخلال : لما رأى
أبو عبد الله تزلزل الرواة فيه توقف فيه ، وقد روى قبل موته بشهر وروى بشهرين وروى بأربعين يوما وروى بثلاثة أيام وروى من غير تقييد بمدة ، وهي رواية الأكثر وهذا الاضطراب في المتن وأجيب عنه أيضا بأن أخبار الدباغ أصح إسنادا وأكثر =رواة فهي أقوى وأولى ، وبأنه عام في النهي وأخبار الدباغ مخصصة للنهي بما قبل الدباغ مصرحة بجواز الانتفاع بعد الدباغ ، والخاص مقدم على العام عند التعارض ، وبأن الإهاب في اللغة هو الجلد قبل أن يدبغ ، ولا يسمى بعده إهابا - كذا قاله
الخليل بن أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل ،
nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود السجستاني ، وكذا قاله
الجوهري وآخرون من أهل اللغة ، وهذا من القول بالموجب .
فإن قالوا : هذا الخبر متأخر فيقدم ويكون ناسخا فالجواب من أوجه : أحدها لا نسلم تأخره عن أخبار الدباغ ; لأنها مطلقة فيجوز أن يكون بعضها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بدون
[ ص: 18 ] شهرين وشهر .
الثاني : أنه روي قبل موته بشهر وروي بشهرين وروي بأربعين يوما وكثير من الروايات ليس فيه تاريخ وكذا هو في رواية
أبي داود فحصل فيه نوع اضطراب فلم يبق تاريخ يعتمد .
الثالث : لو سلم تأخره لم يكن فيه دليل ; لأنه عام وأخبار الدباغ خاصة والخاص مقدم على العام سواء تقدم أو تأخر كما هو معروف عند الجماهير من أهل أصول الفقه .
وأما الجواب : عن قياسهم على اللحم ، فمن وجهين : أحدهما أنه قياس في مقابلة نصوص ، فلا يلتفت إليه ، والثاني أن الدباغ في اللحم لا يتأتى ، وليس فيه مصلحة له ، بل يمحقه بخلاف الجلد ، فإنه ينظفه ويطيبه ويصلبه ، وبهذين الجوابين يجاب عن قولهم : العلة في التنجيس الموت ، وهو قائم .
واحتج أصحاب المذهب الثاني بما رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي والحاكم وغيرهم بأسانيد صحيحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11915أبي المليح عامر بن أسامة عن أبيه رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004748أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع ، وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=16004749نهى عن جلود السباع أن تفترش . قالوا : فلو كانت تطهر بالدباغ لم ينه عن افتراشها مطلقا ، وبحديث
سلمة بن المحبق السابق "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004750دباغها ذكاتها " قالوا : وذكاة ما لا يؤكل لا تطهره . قالوا : ولأنه حيوان لا يؤكل فلم يطهر جلده بالدبغ كالكلب .
وأجاب أصحابنا بالتمسك بعموم ( أيما إهاب ) و ( إذا دبغ الإهاب ) وأن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت ; فإنها عامة في كل جلد ، قالوا :
وأما الجواب : عن حديث النهي عن جلود السباع فمحمول على ما قبل الدباغ ، فإن قيل : لا معنى لتخصيص السباع حينئذ ، بل كل الجلود في ذلك سواء .
فالجواب : أنها خصت بالذكر ; لأنها كانت تستعمل قبل الدباغ غالبا ، أو كثيرا ، وأما حديث
سلمة فمعناه أن دباغ الأديم مطهر له ومبيح لاستعماله كالذكاة فيما يؤكل ، وأما قياسهم على الكلب فجوابه الفرق بأنه نجس في حياته ، فلا يزيد الدباغ على الحياة .
واحتج أصحاب المذهب الرابع ، والخامس ، والسادس بعموم أحاديث الدباغ وأجاب الأولون عنها بأنها خص منها الكلب والخنزير للمعنى المذكور ، وهو أنهما نجسان في الحياة ، فلا يزيد الدباغ عليها .
واحتج أصحاب المذهب السابع برواية وردت في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004751هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به ؟ ) ، ولم يذكر الدباغ ، وأجاب
[ ص: 19 ] الأولون بأن هذه الرواية مطلقة فتحمل على الروايات المقيدة لما تقرر في أصول الفقه من حمل المطلق على المقيد .